يستمر النقاش المفيد حول شكل الحل النهائي للنزاع مع إسرائيل. تتعالى الأصوات التي تعتبر حل الدولتين هو الأعدل والأكثر منطقية والذي يحقق مصالح كافة الأطراف المعنية والمتأثرة بالنزاع. مجرد اصطفاف عدد من الأصوات المهمة مع الفريق الداعي لحل الدولة الواحدة حدا بكثيرين للتحذير من ذلك وخطورته وعدم سويته أم منطقيته، وظهرت موجة من الدفاع عن حل الدولتين الذي يعد جوهر قرارات الشرعية الدولية منذ القرار 181 وما بعده. من يدافعون عن حل الدولة الواحدة يدركون خطورته وتعارضه مع القانون والشرعية الدوليين، ومع مطالب الفلسطينيين بدولة تشكل جوهر مشروعهم الوطني، وهم يقولون بالدفاع عن حل الدولة على اعتبار أن إسرائيل تمعن بوضع العراقيل أمام حل الدولتين وتجعل بسلوكياتها وقراراتها أمر قيام الدولة الفلسطينية مستحيلا عمليا وميدانيا. أي أنهم يطرحون حل الدولة الواحدة ليس حبا أو تفضيلا بذلك الحل، وإنما كنتيجة طبيعية لما آلت اليه الأمور الميدانية، ويعلمون أن حل الدولة الواحدة سينتج عنه إما دولة ديمقراطية الغلبة الديموغرافية فيها للفلسطينيين، أو دولة بنظامين، ما يعني حكما نظام فصل عنصريا ابارثايد على غرار ما كان حاصلا بجنوب افريقيا أو ايرلندا.
انضم لهذا النقاش مؤخرا رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز، وأنا أقف مع الفريق الذي يعتقد أن تصريحات رئيس الوزراء أخرجت تماما عن سياقها. بعيدا عن بعض العناوين الصحفية، من يقرأ مقابلته مع صحيفة الجارديان البريطانية يدرك أنه لم يعبر عن تغيير في الموقف الأردني الراسخ المنادي بحل الدولتين بقدر ما كان يرسل رسائل تحذيرية مفادها أن عرقلة حل الدولتين الذي تقوم به إسرائيل معناه أننا سنكون حكما أمام حل الدولة الواحدة، وكأن لسان حاله يقول احذروا أيها الإسرائيليون نتيجة أفعالكم، فحل الدولتين فيه الصيغة التي تحقق مصالح الجميع، وأما حل الدولة الواحدة فمعناه انتحار إسرائيلي أو دولة تمييز عنصري غير قابلة للحياة. تصريحات الرئيس تحذيرية ومحاولة لإيقاظ صناع القرار في إسرائيل من سوء ما يفعلون استراتيجيا وميدانيا، وكأنه أيضا يقول اذا تخلى العالم كله عن حل الدولتين فعلى إسرائيل أن لا تفعل وأن تدافع عن هذا الحل لأسباب وجودية. هذا متسق مع كثير من التحذيرات التي انهالت على إسرائيل بعد إعلان نيتها ضم أراض من الضفة ستجعل قيام الدولة الفلسطينية أمرا مستحيلا أو أننا سنكون أمام مشروع دولة فلسطينية غير قابلة للحياة.
النقاش عن حل الدولة أو الدولتين برمته مفيد، وهو إيقاظ لنتنياهو ومن معه من غرورهم وتعنتهم. المحبط أن هذا النقاش لا يدخل عمق المشهد السياسي أو الإعلامي الإسرائيلي كما يجب، باستثناء بعض النقاشات والمقالات التي نشرت في الصحافة الغربية أو الإسرائيلية. نحن نتحدث مع أنفسنا ونتجادل ونختلف والأمور في إسرائيل تسير في نسق مختلف وتتأثر بعوامل أخرى. لا بد من نقل هذا النوع من النقاش لداخل إسرائيل عن طريق الدبلوماسيين وعن طريق الاشتباك المدروس مع الصحافة الغربية وبغير ذلك فنكون خارج ميدان المعركة تماما.
الغد