في تقييم تجربتنا بالتعليم عن بعد
فيصل تايه
23-07-2020 07:36 PM
ليس من المنطق او الانصاف أن نطلق الاحكام على تجربة وزارة التربية والتعليم في التعلم عن بعد ، ولا يمكن ان نتوقع أن كانت وزارة التربية والتعليم مستعدة استعدا تاما لهذه التجربة ، والتي جاءت نتيجة ظروف جائحة كورونا المفاجئة ، لكن الآن بعد أن مررنا بما مررنا به بهذه التجربة نرى أن لا بد من تقييمها ووضع تصورات لكيفية الاستفادة من التعليم عن بعد ليكون مصاحبا ومساعدا للتعليم الانتظامي ورديفا يستفيد منه الطالب لتقوية مهاراته في أوقاته الخاصة وفي حالات غيابه لأي طارئ ، وبالتالي فإنه من العبث أن لا يتم استثمار المجهودات المبذولة من طرف جميع الفعاليات التربوية والإدارية وتضحياتها الجسيمة، وأن تذهب في مهب الريح دون إخضاعها لتقييم واقعي وموضوعي قصد الوقوف من خلالها على حصيلة التعليم عن بعد وما رافقه من اختلالات وإشكالات ومعيقات ، إلى غير ذلك من الاستنتاجات التي قد تبرهن على المستوى الحقيقي والفعلي الذي بلغته ، وهو التقييم الذي يكتسي أهمية بالغة لكونه سيعتبر أساسا لتطوير هذا النمط التعليمي الإلكتروني وتجويده، وإطارا لوضع خارطة طريق تروم إدماجه في المنظومة التربوية كمكمل للتعلم الحضوري ومعزز له وليس بديلا عنه
التجربة التي مررنا بها تجربة استثنائية وتتطلب من الجميع إعادة النظر في بعض أساليب العمل وتطويرها لكي تكون جاهزة ليس فقط لمثل هذه الحالات التي نسأل الله ألا يعيدها ، لكن للاستفادة من التجربة في دعم التعليم بمثل هذه الإمكانيات وكذلك تحسبا لأي طارئ ، لذلك فان هذه التجربة تعتبر فرصة لمراجعة الكثير من الممارسات، فنحن الآن بحاجة إلى استراتيجية طويلة الأمد للاستفادة من المنصة التعليمية التي تم استخدامها في الأحوال العادية ولتوضع من أعلى مستوى في الجاهزية ، بالتحول السلس في حالة الحاجة إلى التعلم عن بعد كبديل للتعليم الحضوري ، مع جاهزية المحتوى التعليمي الالكتروني ، والذي يتطلب تدريبا واسعا للمعلمين والطواقم الفنية المساندة وكذلك الأهالي والطلبة ، وكذاك يجب الاستفادة من تجارب المدارس الخاصة الناجحة ، على امل أن تستمر الوزارة في استخدام التعليم عن بعد طوال السنة ولو بشكل جزئي لكي تستطيع تطويره بشكل مستمر، والذي يحتاج إلى مشاركة وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة في تقييم جميع مراحل العمل من وضع الاستراتيجية إلى رفع مستوى القدرات الفنية وانتهاء بتحقيق النتائج وتقييمها.
ان تجربة وزارة التربية والتعليم في "التعليم عن بعد" اعتمدت بالضرورة على أمور فنية كثيرة، منها جودة ونوعية التصوير ، وجودة الاتصال وجودة المادة التعليمية ، فمن الملاحظ أن الوزارة كانت قد حشدت جهودا كبيرة في وقت قصير ، كي ترقى الى المستوى المطلوب ، فما هي الأساليب التعليمية والتربوية المعيارية التي تم اتباعها لمثل هذه المحتويات الإلكترونية المتطورة لضمان جودتها؟ وما مدى قدرتها التفاعلية؟ وما مدى كفاءتها وفاعليتها؟ وكيف سيكون تقييم الطلبة عن بعد بما يضمن الجوده ؟
انا اعتقد ان النيه تتجه لدى وزارة التربية إلى إعداد دراسة توثيقية وتقويمية شاملة "للتعليم عن بعد" في فترة تعليق الدراسة أثناء الجائحة ، لتشتمل على حصر جميع التحديات التي واجهت العملية التعليمية عن بعد وكيفية التعامل معها، وفرص التطوير المستقبلية، ومقارنتها بالتجارب الاخرى لدول الجوار ، واستطلاع آراء المستفيدين ، وقياس الآثار المتعلقة بالكفاءة والفاعلية، ومستوى الرضا الناتج عن تطبيق التعليم عن بعد ، اضافة لتقديم تصورات لمستقبل التعليم عن بعد على المستوى الوطني، ودراسة مدى جدوى التعليم عن بعد والذي يأتي استكمالا للجهود الكبيرة، التي بذلتها مؤسسات التعليم خلال جائحة كورونا ، حيث يتطلب تقييم التجربة وفق منهجيات علمية ومهنية وتربوية ، بما يحقق الأهداف الاستراتيجية للوزارة في المرحلة المقبلة في زيادة وتوسيع مجالات وتطبيقات هذا النمط من التعليم، والعمل على تطويرها مستقبلا ، حيث أن التعليم الإلكتروني بعد جائحة كورونا لن يكون كما كان قبلها.
انا نحتاج كي ننطلق لإجراء هذا التقييم الشامل لاعتماد معايير وآليات عمل خاصة بالتقييم ، لتأتي هذه الخطوة في إطار الجهود التربوية الرامية إلى متابعة أداء المدارس، والتأكد من مدى فعالية تطبيقها لخطط التعلم عن بعد حيث يمكن ان تشتمل المعايير على ثلاثة محاور رئيسية، تركز على عمليات التعليم والتعلم، والتنشئة الإيجابية للطلبة، ودور المدرسة ومدير المدرسة في إدارة عمليات التعلم عن بعد ومصادر التعليم عن بعد، لضمان حصول الطلبة على فرص تعليمية مفيدة ومناسبة ، وذلك بالتنسيق مع جميع مديرات التربية عبر استخدام المنصات الالكترونية المتاحة، ووفقا لهذا التقييم يمكن ان يتم تنصيف المدارس على حسب فعالية تطبيقها لمنظومة التعلم عن بعد، ومدى استفادة الطلبة، وجاهزية المعلمين ، اضافة الا ان من الضرورة بمكان أخذ آراء أولياء الأمور في عين الاعتبار خلال عمليات التقييم .
يجب ان يكون الهدف بالتأكيد وبالاساس الارتقاء في جودة منظومة التعلم عن بعد، والتحسين المستمر في معاييرها وأدواتها وقدرة المدارس على الاستجابة السريعة والتعامل معها بأفضل صورة، ما يشكل استثماراً حقيقياً مستداماً ومهما في التعليم ، اضافة الى أن هذا التقييم سوف يسهم في التعريف ووضع صناع القرار التربوي على مكامن القوة ونقاط الضعف ، وبالتالي العمل على التحسين في المستقبل، وذلك لضمان كفاءة هذه المنظومة واستدامة التعلم.
كما ويجب ان يتميز هذا التقييم، بأن يتم تصميمه واعتماد معاييره، وفقاً للمقارنات والممارسات التعليمية الدولية التي ركزت على استدامة التعليم في وقت الأزمات من حيث التخطيط المستقبلي والاستراتيجي، ودعم الصحة النفسية للطلاب والأسر والمعلمين، اضافة لضمان السلامة والشعور بالاستمرارية ، حيث تتنوع عمليات التقييم الرئيسية، لتتضمن ثلاثة مجالات ، أولها التدريس ورصد تعلم الطلبة، ويشتمل على التخطيط والتسليم ، ومشاركة نتائج التعلم المرجوة وبرنامج التعلم عن بعد ، ومراقبة وتقييم التعلم ، ويتلخص المجال الثاني في عمليات التقييم في التنشئة الإيجابية للطلبة، وتعلمهم عن بعد وسعادتهم، ومدى حضورهم وتفاعلهم ، وتنوع فرص التعلم المقدمة لهم. أما المجال الثالث، فهو قيادة تعلم الطلبة وإدارته، من خلال السرعة في الأداء، والطوارئ، والاتصال والمشاركة، وإدارة الموارد.
وللحديث بقية