النقص المزمن فـي الدينامية
محمود الريماوي
06-06-2007 03:00 AM
يطير وفد إسرائيلي إلى واشنطن برئاسة وزير النقل شاؤول موفاز ، لإجراء حلقة جديدة من الحوار الاستراتيجي مع الإدارة الأميركية . وما يعتبره غالبية الساسة والمعلقين تطابقاً غير مسبوق بين تل أبيب وواشنطن ، في عهد الإدارة الحالية وحقبة شارون ـ اولمرت ، فإنه يحتاج إلى المزيد من التعاون والتنسيق بين الجانبين ، وهذه وجهة نظر اليمينيين الجدد في تل أبيب ، الذين تتأسس رؤيتهم على التصدي لإيران والإرهاب مع تجاوز التسوية العربية الإسرائيلية وطرحها جانباً . ولعل هذا هو أكثر ما يستحق أن يكون مدعاة للاهتمام عربياً . فقد نجحت تل ابيب في تجويف وتتفيه مبادرة الرئيس بوش لإقامة دولتين ، وذلك عبر السلب المنظم لأرض إحدى الدولتين والتنكيل الجماعي المنهجي بشعب تلك الدولة .
وبالمناسبة ففي هذه الايام تمر الذكرى الخامسة لإطلاق الرئيس بوش لرؤيته . وهي رؤية لم ير صاحبها وسيلة لتطبيقها، فاستعاض عنها بتأييد حرب شارون لتدمير ركائز الدولة الموعودة !.
طرح التسوية جانباً بما في ذلك مبادرة السلام العربية . فالدولة العبرية ليست معنية على الإطلاق بالتسويات ، وعلى العكس من ذلك فهي منصرفة كليا منذ ست سنوات وبصورة يومية، لارتكاب جرائم القتل وتدمير مقومات الحياة والاستيلاء على الأرض المحتلة . وقد تم اختزال الصراع إلى مكافحة للإرهاب . وتفيد أنباء أن تل أبيب تتملص من عقد اجتماع ثان للتداول في المبادرة العربية الجماعية ، بعد الاجتماع اليتيم الذي عقد في القاهرة ، والذي خرجت منه وزيرة الخارجية تسيبي ليفني لكي تغفل مجرد التطرق إلى المبادرة .
ولا تجد واشنطن ما تقوله سوى الانفتاح على أفكار أوروبية ، في إطار اللجنة الرباعية الدولية، بتقديم مساعدات إنسانية للرازحين تحت الاحتلال بما يعيد القضية إلى المربع الإنساني ، ويسلبها مضمونها السياسي والقانوني . فيما تفيد تقارير أخرى أن واشنطن وبالذات وزارة الخارجية ترغب في التقدم خطوة أخرى لملامسة الوضع السياسي وهو ما يرفضه أولمرت ورهطه ، ويؤيده من تبقى من محافظين متعصبين على رأسهم نائب الرئيس ديك تشيني .
كانت هناك وما زالت حاجة لحوار استراتيجي عربي ، وهو ما بدأت به دول عربية ، ولم يلبث هذا الحوار أن انقلب إلى اتصالات عادية . الحوار مطلوب ليس من اجل اكتشاف صعوباته الدائمة ، وليس سعيا للوصول إلى اتفاق أو خلاف ، بل لتظهير طبيعة العلاقات وحجم الفجوات، وتثبيت التمسك بالحقوق العربية والشرعية الدولية ، وإظهار السلوك الأميركي الذي ينتهي في كل مرة ، إلى التطابق مع مصالح الاحتلال الإسرائيلي ، والى الإضرار المتعمد في النتيجة ، بالصداقة العربية الأميركية وبصورة أميركا في العالم العربي .
وفي جميع الأحوال فإن النقص المزمن في الدينامية العربية، يتم ملؤه بمبادرات إسرائيلية لا تهدأ باتجاه واشنطن ، وذلك جنباً إلى جنب مع تعاظم السلوك العدواني والتوسعي ، والعمل الحثيث على إرساء وقائع صلبة على الأرض المحتلة .
وهكذا ففي الوقت الذي تنكر فيه تل أبيب وجود صراع مع العرب والفلسطينيين ، والحاجة بالتالي إلى تسويته ، فإن قادتها لا يكفون عن خوض صراع وحشي ، لا يقل في وتيرته عن ذلك الذي تم خوضه قبل العام 1948 ، والذي أدى لقيام دولة اسرائيل على أرض فلسطين وعلى حساب شعبها .
لتكن هناك مبادرة عربية وليكن هناك تمسك بالخيار السلمي ، غير أن الدولة العبرية هي في أضعف الأحوال دولة مارقة ، وشديدة الخطر على أمن واستقرار دول وشعوب المنطقة، ومن حق الشعوب العربية بل من واجبها التمسك بروح صراعية مع هذه الدولة الباغية .
mdrimawi@yahoo.com