“الدولة الواحدة الديمقراطية”: مشروع رومانسي مستحيل
د. زيد نوايسة
23-07-2020 12:13 AM
تصريح الدكتور عمر الرزاز للغارديان البريطانية حول ضرورة النظر بإيجابية لفكرة حل الدولة الواحدة الديمقراطية بشرط تحقيق العدالة والمساواة للفلسطينيين، أحدث جلبة وترك الباب مفتوحا لتفسيرات عديدة، بالرغم من استدراكه لاحقا وتحديه أن تقبل إسرائيل بهذا الخيار وبالتالي حل الدولتين هو الضمانة لإنهاء الصراع في المنطقة. لاحقا أكد وزير الدولة للإعلام والاتصال على ثوابت الدولة الأردنية التي تنص على ضرورة قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة ومتواصلة جغرافيا على حدود الرابع من حزيران العام 1967 عاصمتها القدس الشرقية وبما يتوافق مع قرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية. ولكن مع ذلك هناك من يرى أن الرزاز لا “يقدح” من رأسه بل ثمة مؤشرات توحي بموقف جديد مرده أن حل الدولتين صار وراءنا.
لا نعرف ما الذي دفع الرئيس للتطرق لهذا الأمر تحديدا في هذه المرحلة ولماذا خرج ليقول هذا الكلام في هذا التوقيت الذي ينتظر فيه الإعلان عن ضم أجزاء من الضفة الغربية بالرغم من التأجيل المؤقت. معلوم أن هذا الأمر في جوهره خيار فلسطيني وإسرائيلي. أما مهمة الأردن هي دعم الأشقاء الفلسطينيين والحفاظ على مصالحه الاستراتيجية حتى لا يتم حل مسألة اللاجئين على حسابه فهو حاليا أكبر مستضيف، بالإضافة لحقوقه في الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية.
فكرة حل الدولة الواحدة ليست جديدة ولديها مؤيدون في الجانبين سوى ما طرحته فصائل منظمة التحرير الفلسطينية العام 1968 ولاحقا سُمي بالبرنامج المرحلي بنقاطه العشر الذي طرحه نايف حواتمة سنة 1974. وهو الحل الذي يؤدي لقيام الدولة الواحدة العلمانية الديمقراطية التي يعيش فيها المسلم والمسيحي واليهودي أو الدولة ثنائية القومية التي يطالب بها القليل من أنصار السلام الإسرائيليين بحيث تكون دولة واحدة بأكثرية يهودية وأقلية عربية كبيرة. ولكن فرص مثل هذه الدولة في النجاح تكاد تكون مستحيلة لأن إسرائيل ماضية بتكريس نفسها ككيان يهودي عنصري يستند الى الدين كعنوان وركيزة للدولة لا إلى فكرة المواطنة والمساواة بين المواطنين بغض النظر عن الدين والعرق.
صحيح أن عوامل الإحباط وخيبة الأمل من إمكانية قيام دولة فلسطينية تتعاظم لدى الفلسطينيين وخاصة جيل الشباب المحبط من نموذج السلطة الفلسطينية ومن مجمل الأداء الفلسطيني، لكن هناك بنفس الوقت إجماع فصائلي فلسطيني على رفض هذه الصيغة، فهم من يعيش على مقربة من الكيان العنصري ويدرك استحالة قبوله بالمساواة معهم.
الصورة التي تشكلت عن رئيس الحكومة الحالي أنه مُقل في الحديث في الشأن السياسي عموماً بينما يتحدث براحة ومعرفة في التنمية والاقتصاد والمستقبليات ويكاد يكون الأكثر ابتعاداً عن الخوض في الملفات السياسية. لكن طالما أنه قرر أن يمارس ولايته العامة في السياسة وفي ملف مصيري نتمنى أن تكون الأمور أكثر وضوحاً خاصة في التصريحات بالغة الدقة والحساسية التي قد تحمل رسائل ومدلولات قد تفهم أنها تخالف أو تناقض الموقف والمصلحة الأردنية وبنفس الوقت أن تكون الحكومة جاهزة للتعامل مع كل السيناريوهات بما فيها فشل سيناريو حل الدولتين الذي ظل محط الرهان الأردني دائماً من خلال مطبخ سياسي كامل لا أن يُجتزأ بتصريح صحفي، فهناك مصالح تتعلق بمستقبل الدولة وحقوقها في ملفات كبرى.
طالما أن العرب بمجمل قدرتهم التأثيرية غير قادرين على فرض حل الدولتين أو الدولة الديمقراطية الواحدة التي يتساوى فيها الجميع فإن الكلام في هذا الأمر يبدو فائضا عن الحاجة والأصل الاستعداد لأي تداعيات على مصالحنا وأمننا القومي.
الغد