حوارات فكرية: د. فؤاد زكريا
يوسف عبدالله محمود
22-07-2020 05:42 PM
تعكس هذه الحوارات التي أجريتها مع نخبة من رموز الفكر العرب على امتداد فترات زمنية مختلفة آراءَهم في بعض قضايانا الفكرية الراهنة المتعلقة بالاقتصاد والتاريخ والاجتماع والأدب.
د. فؤاد زكريا أحد قادة الفكر العربي المعاصر.
عمل أستاذاً ثم رئيس لقسم الفلسفة في جامعة عين شمس حتى عام 1974 ثم انتقل للعمل في جامعة الكويت.
له مؤلفات كثيرة منها الأصيل ومنها المترجم.
تالياً هذا الحوار معه قبل وفاته:
س1: لماذا لم يتوافر للمفكرين العرب الذين واكبوا عصر النهضة الحديثة الوعي الأيديولوجي بالمسألة الاقتصادية الاجتماعية؟
ج1: الوعي الاجتماعي لهذه القضية ينمو حين تكون مشكلة العدالة الاجتماعية والاقتصادية هي المشكلة التي تتصدر اهتمامات المجتمع. لكنني أعتقد أن المفكرين العرب الذين ظهروا في عصر النهضة العربية الحديثة واجهوا مشكلات كانت في نظرهم وفي نظر المجتمع ككل أكثر إلحاحاً من تلك المشكلة وأنا أعني على وجه التحديد مشكلتين:
الأولى هي مشكلة الاستقلال الوطني والثقافة هي التحديث أو المواجهة بين القراءة التقليدية للمجتمع والتغيرات والتجديدات المتلاحقة للعصر.
أما المشكلة الثانية التي لم تكن أقل إلحاحاً والتي واجهها مفكرو النهضة العربية وعانوا- وما زالوا يعانون منها- توصّلاً إلى حلّ لها، فهي مشكلة تحديد موقفهم من عملية التحديث التي يبدو أن الحضارة العصرية الوافدة من الغرب تفرضها على مجتمعات العالم الثالث، وعلينا أن ندرك أن مشكلة العدالة الاجتماعية لم تبدأ في الصعود إلا بعد أن حُلّت ولو بطريقة رسمية مشكلة الاحتلال الأجنبي للوطن العربي.
س2: يقول البعض إن الفكر الغربي نقل إلى المجتمعات العربية مشكلات لا علاقة لها بها "كالمشكلة القومية" وفصل الدين عن الدولة.
هل تُعدّ الحركة القومية العربية المعاصرة مشكلة غربية لا علاقة لها بالماضي الحضاري العربي؟
ج2: علينا أن نعترف بأن هناك بالفعل من ينظرون إلى أي فكر قومي على أنه فكر مستورد ويرون أن مفهوم القومية ذاته مفهوم غربي ازدهر في القرن التاسع عشر، وانتقل إلينا ضمن مجموعة المفاهيم التي نقلها رُوّاد الفكر العربي الذين كان الكثيرون منهم مَبهورين بالحضارة الغربية وأصحاب هذا الرأي هم في الغالب من الجماعات الإسلامية التي ترى أن الوحدة الحقيقية هي تلك التي تتحقق بين أصحاب العقيدة الدينية الواحدة. في مقابل ذلك فإن دُعاة القومية العربية يحرصوا على تأكيد الجذور التراثية لدعوتهم، ويبذلون جهداً كبيراً لتأكيد فكرة القومية العربية على أساس تاريخي وعقائدي مؤكدين أن الفكرة القومية منبثقة من تربة عربية خالصة.
س3: "الاغتراب" ظاهرة يعيشها كثير من المفكرين العرب المعاصرين. ما خطر هذه الظاهرة؟
ج3: "الاغتراب" كلمة تحمل معاني شديدة الاتساع والتباين. ثمة أنواع لا حصر لها يعشها المفكرون المعاصرون.
سأكتفي بالحديث عن مظهرين للاغتراب، هما: المظهر الثقافي والمظهر السياسي.
أما الاغتراب الثقافي فيتمثل في الوضع المتأرجح الذي يعيشه أي مثقف أمين بين الثقافة القومية التراثية والثقافة العلمية المعاصرة. فعلى الرغم من كل الروابط التي تجمع بينه وبين تراثه القومي وتشدّه إليه، فلا مفرّ له إذا كان صادقاً مع نفسه من أن يعترف بأن هناك فجوة زمنية كبيرة تفصله عن هذا التراث وأن لغة الفكر التاريخ الذي ينطبق بها ماضي أمته هي لغة كانت تخاطب عصراً ومجتمعاً لهما سماتهما التي اختفى الكثير منها في عصرنا ومجتمعنا الراهنين.
وهكذا يجد المثقف العربي المعاصر أنه مغترب بمعنى مزدوج: مغترب زمنياً عن تراثه، ومغترب حضارياً عن الثقافة الغربية الأصل.
أما الاغتراب السياسي فهو نوع من الاغتراب يعانيه المثقف العربي قبل غيره ذلك لأن الوطن العربي يخضع قبل ذلك في بقاعه لأنظمة حكم لا تعترف أصلاً بقيمة الفكر وحين تصبح كلمة الحاكم بل خصوماته وتحيزاته قانوناً، فعندها يكون أمام المثقف أحد طريقين: إمّا أن يغترب سياسياً عن الجهاز الحاكم ومن ثم عن الدولة بأسرها ويشعر بأنه يعيش في وطن ليس له كلمة فيه فيتحول إلى المعارضة النشطة التي تجعل من اغترابه حافزاً للتغيير، أو تنتابه حالة من "السّلبية" وعدم الاكتراث، فيفكر إلى ممالأة السلطة ومن هم إلى تكريس وكرهم لتبرير فكرهم الاستبداد والتنظير له!
ومع الأسف هذه الفئة يزداد عددها في عالمنا العربي.