لقد أيقن العالم أجمع أن آفة الفساد على إختلاف مظاهرها تعد المعوق الأكبر لعملية التقدم و التنمية ، فالفساد لا ينحصر اثره السلبي بحقلٍ من حقول الحياة المتنوعة ، بل يمتد أثره إلى جميع حقولها ( الإقتصادية، الاجتماعية ، السياسية ) ، فعلى الصعيد الاقتصادي يهدد الفساد موارد الدولة و يُسيء استغلالها بما يقلل من الفائدة المرجوة من الاستغلال لصالح خدمات المواطن التي يتلقاها من الدولة ، و يؤدي الفساد الاقتصادي الى تدني كفاءة المشاريع العامة و إضعاف مستوى البنية التحتية ، و أضعاف المالية العامة للدولة ، أما على الصعيد السياسي فإن الفساد يُنتج حالة من فقدان ثقة المواطنين بالدولة مما قد يُنقِص هيبة الدولة الى حد فقدانها ، كما و يؤدي الفساد الى انهيار النسيج الاجتماعي و بث الكراهية بين فئات المجتمع نتيجة غياب العدالة و المساواة و تكافؤ الفرص .
لا يخفى على المتابع للشأن المحلي سعي الدولة الاردنية الجاد في ترسيخ قواعد العدالة و المساواة و في تعزيز مبدأ التشاركية و النزاهة و سعيها الدؤوب لمكافحة الفساد بكافة اشكاله ،و قد ظهرت هذه المساعي الحميدة من خلال التعديلات الدستورية و التي نتج عنها إنشاء هيئة مستقلة للنزاهة و مكافحة الفساد تُعنى بمكافحة الفساد الإداري و المالي بأجهزة الدولة و من ثم تعزيز استقلالية هذه الهيئة و تحصين أعضائها بالشكل الذي يضمن لهم القيام بأعمالهم على اكمل وجه .
ان المتابع للمشهد الاصلاحي و مكافحة الفساد في الاردن ، يرى انه كلما أودع متهم بقضايا فساد الى المحاكم المختصة ، تظهر مجموعات تحت غطاء العشائرية و تبدأ بعمل اجتماعات و خطابات و هتافات بعضها بأسلوب تحريضي و تهجمي بهدف حماية المتهمين و لاثارة الرأي العام و التأثير على القضاء ، و و لقد أصبحت بعض هذه التحركات تشكل عقبة أمام مساعي الدولة في مكافحة الفساد و كذلك أمام التقدم في مسيرة الإصلاح الاقتصادي و السياسي و الذي يتمسك به غالبية المواطنين في الاردن .
إن الساعي لمحاربة الفساد عليه ان يقبل بنتائج الحرب عليه كاملة و إن مست المقربين منه ، فكيف للذين يطالبون بمكافحة الفساد ان يهددوا في نفس الوقت ما لم يُفرج عن المشتبه بهم المحسوبين على عشائرهم و مناطقهم ؟؟
إن الفساد لا ينتمي الى عشيرة او قرية فالفاسد لا يمثل الا نفسه و يجب علينا
محاسبته وفق احكام القانون ، و إن ظاهرة الاختباء خلف العشيرة و الاستقواء بها بوجه الدولة من اجل حماية المتهمين تسيء للعشيرة و التي كانت على الدوام المؤسسة الاجتماعية ذات الأهداف الجامعة و المانعة .
نتمنى على العديد من عشائرنا ان تكون في صف الوطن داعمةً لمسيرة التقدم الإصلاحي ، و انا لا تنجر وراء مصالح أشخاص يجعلون منها دروعا بشرية لتحقيق مصالحهم الشخصية الضيقة ، و ان نحتكم جميعا لحكم قضائنا النزيه ، و ذلك حفاظًا على المصالح الوطنية و حماية للمال العام