أمين محمود فاجئنا بحقائق صادمة
د. عادل يعقوب الشمايله
21-07-2020 10:43 AM
نشر د. امين محمود على موقع عمون عدة مقالات مميزة تناول فيها المقدمات السياسية على مدى القرنين الماضيين لما حصل في المنطقة العربية التي كانت خاضعة للاحتلال التركي ومآلاته على فلسطين وشعبها العربي.
القت المقالات ضوءاً ساطعا على محاولات الحركة الصهيونية العالمية للإستيلاء على موطئ قدم لإقامة دولتهم الحلم بمساندة عدد من الدول الاوروبية التي كانت فاعلة على خارطة العالم السياسية والعسكرية والاقتصادية، وبتخاذل او بيع سري ممن يُفترض أنهم حماة فلسطين. سأتناول في مقالي هذا أهم ما جاء في مقالين فقط من مقالات الوزير السابق، الباحث الدكتور امين محمود.
أولا، مقاله المعنون ب " مشروع الاستيطان اليهودي في ليبيا" المنشور بتاريخ 2/5/2020. بين الكاتب بالتفصيل، المراحل التي مر بها مشروع إقامة وطن قومي لليهود في ليبيا الذي إبتدأ عام 1904 موثقا مقاله بعدد من المراجع والمؤلفات التاريخية. كانت بريطانيا هي من همس في أُذن الصهاينة وشجعهم للتوجه الى ليبيا بعد ان تم صرف النظر عن اوغندا وقبرص. إلا أن تحركات الصهاينة التي رحبت بالعرض البريطاني، فوجئت منذ بدايتها بمعارضة ايطالية صارمة. بالمقابل، وبما يثير كامل الحيرة والاستغراب، لقيت مبادرات الغزو الناعم السام لليبيا الترحيب الحار والتشجيع من الوالي العثماني في ليبيا رجب باشا. بل إن الوالي المذكور كان يكلف سكرتيره الخاص لتسهيل مهام اليهود الاستكشافية في ليبيا. وكانت حجة الوالي العثماني أن الاوضاع الاقتصادية في ليبيا متردية، وان النشاطات الاقتصادية اليهودية ستؤدي الى إنعاشها.
ولمزيد من التأكيد على هذه الحقيقة الغائبة عن العرب بسبب تغييبها من مناهج التاريخ المعتمدة في معظم مدارس الدول العربية التي ألفها وفرضها الاخوان المسلمون والمتعاطفون معهم منذ بدايات الاستقلال. فقد ورد في التقرير الذي اعدته اللجنة الصهيونية التي ارسلها الزعيم الصهيوني رانغويل الى ليبيا، أن السلطات العثمانية ترحب بالاستيطان اليهودي في منطقة برقه والجبل الاخضر، وأنها قد أبدت استعدادها لتقديم كافة التسهيلات والحماية لتحقيق ذلك الهدف. كما أن خطوط التواصل قد أُقيمت لهذه الغاية بين الصهاينة والسنوسيين. واشار التقرير الى ان اليهود قد رحبوا بمشروع الاستيطان في ليبيا بسبب قرب برقه من فلسطين، اضافة الى ان اليهود كانوا قد سكنوا ليبيا زمن الاسكندر المقدوني. ويسترسل المقال في تبيان ان المشروع الصهيوني كان يخطط للاستيلاء على الاراضي غير المسجلة بأسماء افراد الشعب الليبي أي الاميرية، والاجتهاد في شراء الاراضي التي يمتلكها الليبيون تمهيدا لدفعهم الى الصحراء.
ثانيا: صندوق استكشاف فلسطين: في مقاله المنشور على موقع عمون بتاريخ 11/7/2020 . بين الدكتور امين محمود ان هذا الصندوق قد أنشئ في عام 1865 برعاية الملكة فيكتوريا وترأسه رئيس اساقفة كانتربري. لعب هذا الصندوق دورا حاسما ومؤثرا في التأسيس للاستيطان اليهودي في فلسطين. حيث مول الحملات التي قام بها مهندسون بريطانيون لدراسة الاراضي الفلسطينية ووضع خريطة مياه ومعادن وثروات لها. وقد امضى المهندسون الانجليز وغيرهم من الخبراء ست سنوات لانجاز هذه المهمة، كما امتد نشاطهم البحثي الى سوريا ولبنان والاردن. وقد تمكن المهندسون الانجليز من وضع خارطة لفلسطين وما حولها وخاصة عجلون والبلقاء ومؤاب وحوران والجولان. وكانت الخارطة في غاية الدقة الى درجة أن تم استخدامها من قبل الجيش البريطاني لاحقا في الحرب العالمية الاولى. وقد قام الخبراء الانجليز ومعهم اليهود باعادة تسمية المدن والقرى العربية باسماء عبرية كما وردت في التوراه. حدث ذلك في عام 1875 والخلافة العثمانية لا زالت تتمتع ببعض القوة ولم يكن العلمانيون قد ولودا بعد. أي ان الخلافة العثمانية المقدسة قد أغمضت عينيها وتركت الحبل على الغارب للانجليز واليهود يدخلون ويخرجون ويدرسون ويخططون بكامل حريتهم.
وأشار المقال الى الكتاب الذي صدرعام 1892 بعنوان "المدينة والارض" جاء فيه ان العمل جار على استعادة مجد فلسطين كما كانت في عهد هيرودس وداود. وورد في الكتاب نفسه ان اليهود في تلك الفترة قد بدأوا بالتدفق الى فلسطين دون معارضة من الخلافة العثمانية، حيث ارتفع عدد اليهود في مدينة القدس على سبيل المثال من بضع مئات عام 1793 الى اكثر من اربعين الفا عام 1892 حيث اصبحوا هم الاغلبية في المدينة المقدسة وسيطروا على اقتصادها وصاروا سادتها.
كما كشف الكتاب المؤلف عام 1892، أن زعيم الصهاينة كان يسعى لان تشمل ارض الميعاد كلا من فلسطين والاردن وجنوب سوريا ولبنان وشبه جزيره سيناء. أي ما بين قناة السويس والبحر الاحمر غربا وجنوبا، الى الحدود العراقية شرقا. يستتبع ذلك وجوب طرد العرب من هذه المناطق الى موطنهم الاصلي وهو الصحراء ليعودوا رعاة كما كانوا.
يكشف المقالان عن ثلاث حقائق:
الاولى ان الخلافة العثمانية العلية البهية كانت غير مهتمة بالمنطقة العربية، وأن جُل همها كان الحفاظ على المناطق التي احتلتها في شرق اوروبا (بلغاريا وصربيا واليونان). والدليل ان الدول الغربية قد استولت في القرن التاسع عشر على كامل شمال افريقيا العربية ومحيط الجزيرة العربية دون أن تخوض الخلافة العثمانية حروبا حقيقية للدفاع عنها.
ثانيا: أن الخلافة العثمانية كانت متوافقة مع المشروع الصهيوني، وأنها كانت تتغاضى عن النشاطات الصهيونية والهجرات اليهودية التي امتدت سنوات تحت سمعها وبصرها وبتشجيع وحماية من ولاتها في ليبيا وفلسطين وسوريا.
وفي الوقت الذي كان فيه الصهاينة يدرسون ويخططون لبناء وطنهم الذي بينا مناطقه وحدوده حسب ما كتبوا هم ونقله الدكتور امين محمود، كانت الخلافة العثمانية بواسطة ولاتها وجيوشها تجتهد في ملاحقة الشباب والشيوخ والاطفال العرب لتجنيدهم في حروبها العبثية الخاسرة التي لم تتوقف، مع روسيا وشعوب شرق اوروبا الكارهين لوجودها والمقاومين له. كان هم الخلافة الحفاظ على مصدر الجواري والغلمان. والدليل، انه رغم مرور مئات السنين على احتلالها لشرق وجنوب اوروبا، لم ينتشر الاسلام فيها بإستثناء البانيا والبوسنه.
كما كانت الخلافة منشغلة في جمع معظم ما يستيطيع فلاحوا الشام والعراق وبقية المناطق العربية انتاجه رغم صعوبة الاحوال والامكانات، لتمويل تلك الحروب الخاسرة تاركتهم في فقرهم وامراضهم يعمهون. خمسمائة عام من الاحتلال كانت حصيلته: أُمية وفقر وبطالة شامله لكافة السكان وامراض واوبئة فتاكة كادت تقضي على الجنس العربي، وعدم وجود اي نوع من انواع البنية التحتية سوى السجون والمشانق. وكما روج رجال الدين العرب لاحتلال بلادهم المتحضرة من قبل القبائل التركية البدوية المتخلفة التي رفعت شعار الدين الاسلامي لتسهيل حملتها الاستعمارية للاراضي العربية ولتسكتهم عن الثورة عليها بحجة أنها دولة خلافة، يروج احفادهم وورثتهم وأتباعهم والمتكسبين والمُضَللين لموديل جديد للخلافة كوريث للخلافة التي انقرضت. وبذلك فإنهم يكرسون لدونية الشعب العربي وعدم استحقاقه ان يحكم نفسه ويقرر مصيره وانه يجب ان يكون خاضعا للماليك والسلاجقة والعثمانيين ومن يسعى لوراثتهم. بل انه يجب أن يعود الى الصحراء التي قدم منها. حتى أن بعض الصحافيين المحسوبين على الاخوان المسلمين المؤيدين لسياسات وممارسات الحكومة التركية يزعمون أن معظم سكان سوريا هم اتراك، وأن الجيش السوري هو جيش احتلال، وعليه أن ينسحب من الاراضي التي يتواجد فيها ويسلمها للجيش التركي. كما أن الرئيس التركي اردوغان قد برر قبل أيام وهو ينفي الشرعية عن دخول الجيش العربي المصري الى ليبيا العربية، بأن ربع سكان ليبيا، أي مليون مواطن هم من اصل تركي وبالتالي فإنه يملك حق احتلال ليبيا. علينا والحالة كذلك ان لا نفاجأ بتصريح جديد بعد فترة وجيزة، أن بقية سكان ليبيا هم من الامازير والطوارق وان العرب هم مجرد محتلين لليبيا وعليهم مغادرتها.
ثالثا، إن ما سبق وبيناه تعليقا على ما ورد في مقالي الدكتور أمين محمود، يُظهر أن مدينة القدس التي تدعي الحكومة التركية الحالية أنها معنية بها وتدافع عن مقدساتها الاسلامية، قد تم تضييعها وتسليمها من قبل الخلافة العثمانية للصهاينة منذ عام 1875 ، أي قبل إنشاء دولة اسرائيل بسبعين عاما كاملة. اذ بلغ عدد سكانها من اليهود اربعين الفا. وهو عدد ربما يتجاوز عدد سكان مدينة دمشق. في حين كان معظم سكان فلسطين العرب يعيشون فلاحين في القرى بسبب الاستغلال والاهمال التركي لهم كما بقية الشعوب العربية.