كرونافوبيا .. ومتلازمة المربع المفقود
احمد صلاح ابوزينة
20-07-2020 01:09 PM
في ظل هذا الواقع المربك والإستثنائي إلى حد كبير والذي يئن تحت وطأته العالم بأسره، يعتقد البعض ان السبيل للخروج من هذه الأزمة ومواجهة هذه الجائحة (كوفيد19) هو اتخاذ كافة الإجراءات الوقائية والاحترازية فقط، الا ان الكثير من الناس رغم اتباعهم كافة التعليمات والارشادات التي أوصت بها منظمات الصحة العالمية والهيئات الصحية المحلية لا يزالون يشعرون بالقلق والاضطرابات النفسية مما قد يجعلهم لا يستطيعون التكيف مع الوضع الحالي والتغلب على ما قد يعتري الانسان من ضعف ووهن نفسيا قبل ان يكون جسديا، وكأن الحياة توقفت عند ذلك الحد مما لا يجعلهم يفكرون او يخططون او يعملون من اجل المستقبل.
تخيل أنك ذهبت في يوم من الأيام إلى عيادة الأسنان، وبينما كان طبيب الأسنان يعالج أسنانك، رحت تنظر إلى السقف المكون من مربعات متوسطة الحجم، ثم فجأة لاحظت ولفت انتباهك أن هناك مربعا مفقودا في مكان ما من السقف، على الرغم من محاولاتك لتجاهل أمر المربع الناقص ستجد نفسك لا إراديا تحدق في مكانه متناسيا بقية المربعات الموجودة في السقف! وهذا يا صديقي ما يسمى بمتلازمة المربع المفقود.
متلازمة المربع المفقود أو The Missing Tile Syndrome في اللغة الإنجليزية مصطلح أوجده دنيس براجرDennis Prager، ويعني ببساطة التركيز على كل النواقص في حياتنا، مما يفقدنا السعادة ومتعة اللحظة الراهنة، فهذه العلة النفسية يصاب بها الكثير من الناس ويتألمون فيها بسبب إحساسهم بالنقص والفراغ في حياتهم وذلك جراء غياب بعض التفاصيل، إذ يرون أن هذه التفاصيل هي الأهم ولابد من وجودها حتى يصلوا إلى الشعور بالسعادة وتذوق طعم الحياة ونشوتها.
فمنذ بدأ انتشار وباء كورونا في العالم وحتى الآن، بدأت معه الأفكار السلبية التي بدورها أدت إلى التشاؤم والارتباك والقلق والخوف الشديد من المستقبل، وانتشرت الشائعات والأخبار المغلوطة والمعلومات الخاطئة، لذلك دعونا نقف معاً دقيقة صمت نمعن النظر قليلا، بعيداً عن السلبية ونستشعر الإيجابية التي قد غضضنا الأبصار عنها، لنكتشف حجم الأشياء والأحداث الإيجابية من حولنا التي طرأت بسبب وباء كورونا.
هناك العديد من الإيجابيات جراء هذه الأزمة، ولعل أبرز هذه الآثار الإيجابية هي ارتفاع مستوى الوعي الصحي لدى افراد المجتمع، فقد عمدت الأسواق ومنافذ البيع إلى توفير وسائل الوقاية لمرتاديها، وكذلك تطبيق التباعد الجسدي، ولعل من أهم الإيجابيات أيضا تقوية الرابط الأسري، والذي يشكل اللبنة الأساسية للمجتمع، فقد أتاحت هذه الأزمة فرصة لاجتماع العائلة والتواصل بشكل أقرب وأكثر من السابق، فقد تجلى مدى أهمية العلاقات الاجتماعية في حياتنا، وما لها من دور فعال في بناء الصحة النفسية للفرد واستقراره وتغيير نمط حياته نحو الأفضل واتباعه أسلوب حياة صحي وسليم، حيث أتيحت الفرصة للفرد لممارسة هواياته المختلفة، واكتساب مهارات جديدة وقضاء وقت مفيد.
ومن إيجابيات الأزمة كذلك والتي كان لها أثر كبير على المجتمع، هو تقدير خط الدفاع الأول من الطاقم الطبي وأفراد الشرطة وغيرهم، لدورهم الكبير والفعال خلال هذه الأزمة، وتضحيتهم بوقتهم وجهدهم في خدمة هذا الوطن، وابتعادهم عن أسرهم لفترة طويلة بسبب نظام المناوبات.
وأن من إيجابيات هذا الوباء أيضا، هو تبني العديد من المؤسسات والهيئات نظام العمل عن بعد، مما ساهم في تطوير الأنظمة والخدمات الذكية والانتقال إلى مرحلة متقدمة في التكنولوجيا وتوجيه تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات، بالإضافة إلى تقليل نسبة الأخطاء بالعمل وزيادة نسبة رضا العملاء، ولا ننسى إيجابية العمل عن بعد في تقليلها من الازدحام المروري والتلوث الهوائي وغيرها من الإيجابيات.
وأخيرا علينا أن ندرك أن الحياة تحمل في طياتها العديد من الإيجابيات فلنقف أمامها كثيراً ونستشعر النعم، وألا نطيل النظر إلى المربع المفقود.