دراسة “هارفارد” عن الاقتصاد الأردني
د. ابراهيم سيف
20-07-2020 12:19 AM
أعيد خلال الأسابيع الماضية تداول دراسة مركز التنمية الدولي في جامعة هارفارد التي اعدت العام الماضي حول الاقتصاد الأردني والتي حملت عنوان “الأردن: إستراتيجية جديدة للنمو”، الدراسة المفصلة لم تحظ بنقاش محلي مستفيض تستحقه، تقدم مقاربة مختلفة لتحقيق النمو عما تقدمه المؤسسات الدولية مثل البنك وصندوق النقد الدوليين، وهي ترسم خريطة طريق للمستقبل ووضعت بعض المعالم الرئيسة للإمكانات الكامنة للنمو والمحددات الرئيسة والقطاعات الواعدة، وفي الحقيقة استخدمت خلال مفاوضات الأردن الأخيرة مع صندوق النقد الدولي للمساعدة في اتباع بعض السياسات المالية التوسعية وليس الانكماشية.
ابرز المحطات التي تصفها الدراسة تتعلق بما جرى خلال العقد الماضي، منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية في العام 2008 والتي كان معدل النمو في الفترة التي سبقتها مرتفعا وتجاوزت نسبة النمو 6 في المائة رغم توقف الترتيبات النفطية مع العراق في العام 2004. مقابل ذلك تراجعت معدلات النمو في الناتج المحلي في السنوات الأخيرة لتصبح حوالي 2.5 في المائة ومعها تراجع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي وساهم في هذا الانخفاض التدفق الكبير للاجئين السوريين الى الأردن خلال تلك الفترة. كذلك فإن نسبة الاستثمار الأجنبي من الناتج المحلي خلال الفترة من 2009 وحتى 2013 بلغت حوالي 12.7 في المائة من الناتج المحلي، تراجعت تلك النسبة الى 5 في المائة منذ العام 2010 وحتى العام 2017. وانخفضت الصادرات الأردنية والمستوردات بسبب الظروف الإقليمية وتراجع الطلب المحلي بنسب كبيرة.
ورغم تلك الظروف خاض الأردن برنامجا صعبا للإصلاح المالي تضمن إجراءات صعبة لترتيب أمور الموازنة حيث ان الفارق في خفض النفقات المحلية الى الإيرادات المحلية بلغت نسبته 8 في المائة ، تجاوز معظم ما فعلته دول أخرى نفذت برامج إصلاحية، ولم يسبق الأردن في مقياس fiscal Impulse سوى اليونان، وفي هذا إشارة الى صعوبة الإجراءات التي اتخذت، ورغم ذلك استمرت المديونية بالنمو، مما يعني وفقا للدراسة ان برنامج الإصلاح مع صندوق النقد بصيغته القديمة لم يكن كافيا ولم يكن ممولا بالقدر الكافي وهو ما اضطر الأردن الى الاقتراض من السوق الدولية واصدار يورو بوند في ظروف غير مثالية رتبت أعباء إضافية على الموازنة، وهذا هو جوهر الدراسة التي دعت الى تبني استراتيجية جديدة لا تعتمد على ضبط الانفاق العام فقط بل السعي لتحفيز قطاعات قادرة على زيادة مستوى الصادرات وإيجاد فرص عمل ذات دخل مرتفع وتتناسب مع مؤهلات الأردنيين الملتحقين بسوق العمل ولا سيما الإناث.
ولتلك الغاية وبالنظر الى محدودية الموارد المائية وارتفاع كلف الطاقة، تقترح الدراسة التركيز على قطاعات معينة تتجاوز هذه المحددات ويمكن ان تشكل قاطرة للنمو خلال المرحلة المقبلة. وهذه القطاعات مرتبطة بشكل كبير في قطاعات الخدمات مثل تكنولوجيا المعلومات، السياحة بكافة اشكالها، خدمات الأعمال والنقل واللوجستيات، الصناعات الإبداعية وقطاع الانشاءات وبعض اشكال الزراعة التي توظف التكنولوجيا بالإضافة الى خدمات التعليم. ووفقا للدراسة هناك استثمارات كبيرة تتدفق على المنطقة في هذه القطاعات ويمكن للأردن الاستفادة منها حال الترويج الناجح لذلك.
بالمجمل الدراسة تنادي بأن يتبع الأردن استراتيجية قائمة على التصدير، وتجادل بأن توسيع الطلب محليا في ظل الزيادة الكبيرة في المستوردات لن يحقق الاختراق المطلوب، وما يبقى هو تهيئة المناخ الاستثماري والبنية التحتية الملائمة والحوافز المرنة بشكل عملي كي نتمكن من تخفيف نسب البطالة وتجاوز الصدمات المتتالية التي مرت على الاقتصاد الأردني الذي اثبت مرة بعد أخرى قدرته على الصمود والاستمرار رغم كل الظروف غير المواتية.
الغد