تشكل الكتابة في القضايا العامة جهدا نافعا ومفيدا للمجتمعات المعاصرة، حيث تلعب الكتابة بشكل عام والصحفية على وجه الخصوص دورا طليعا في التأثير على الرأي العام وتمارس ايضا دورا تنويريا وتوعويا من خلال ابراز القضايا التي تهم المجتمع او بعض قطاعاته وحشد المعلومات والتفصيلات التي تساعد الناس على الالمام بقضية معينة او تكوين رأي حولها.ولعلني اشير هنا الى ان مصداقية الكاتب وحصافته وموضوعية طروحاته وحياديتها تشكل عوامل هامه في بناء علاقاته وصلاته بقراءه.لم يكن يتفق عدد معتبر من قراء الصحف والمقالات مع بعض طروحات كتاب بوزن الصحفيين والاعلاميين المرحومين جمعه حماد ومحمود الشريف وابراهيم سكجها ولكن كنا نثق ببياناتهم ومعلوماتهم وتحرياتهم الصحفية، والاهم اننا كنا نثق بموضوعية تناولهم للقضايا الحساسة.وان كنا هنا نشير الى من مضوا من بعض كبار الصحفيين الاردنيين، فإن عدد من الصحفيين والكتاب الاحياء أمثال الدكتور لبيب قمحاوي وخالد الزبيدي وحسين الرواشده وماهر ابو طير وغيرهم يشكلون حالات مضيئة في العمق والجرأة والحيادية في تناولهم وكتاباتهم عن القضايا التي تهم الوطن.
سقنا هذه المقدمة من أجل بيان ان تلك العلاقة التي ينسجها الكاتب مع قراءه تعتمد على ثقة القراء بمصداقية الكاتب ومقاصده ومهنيته.فعندما تتحدث عن الشأن العام فعلى الكاتب أن بتجرد من اللبوس الخاص او بالاحرى من "تلبيس" او خلط الخاص بالعام واظهار ان ما يكتبه هو المصلحة العامة في حين انه يتحدث عن مصلحته الخاصة.ولا يقف بعض الكتاب عند هذا القدر من الاستخفاف بالقراء والاستهانة بذكائهم وفطنتهم بل يذهبون ويمعنون في حشد سلسلة من الاسانيد والادلة غير الدقيقة، لا بل والمخطوئة، من أجل النيل من شخوص او افراد حالوا بينهم وبين تحقيق مصالحهم الخاصة بسبب مخالفتها للقوانين او اللوائح النافدة.ما يكتبه أمثال هؤلاء الكتاب للأسف ليس صحافة وانما مناكفة هدفها التشويش و "التغويش"وذاك للنيل ممن يحترمون القانون ويحرصون على تطبيقة.هؤلاء لا ينالون ممن يعتقدون انهم خصومهم لانهم اصلا ليسوا خصوما لهم...انهم ينالون من أنفسهم ويخسرون مصداقيتهم وقراءهم.
قرأت خلال الاسابيع الثلاث الماضية عدة مقالات لكتاب بعصهم ممتهن للصحافة وبعضهم هواة وبعضهم أكاديميين وأساتذة جامعات.بعض ما قرأت لهؤلاء الكتاب كان خاصا وموجها للنيل من شخص او جهة او ادارة ولكنه كان مغلفا بالمصلحة العامة وثوبها.يكاد المرء او القارئ في مثل هذه الكتابات التي تعرف كاتبها ومكتوبها ورسائلها ان يشعر ان المقالة كلها عبارة عن رصاصات وسهام وانتقام موجه لشخص بعينه قد لا يعرفه جميع القراء ولكن يعرفه الكاتب نفسه ومن هو في محيطه.تغليف المصلحة الخاصة بالمصلحة العامة يخالف المقاصد والاهداف النبيلة للمهنة الصحفية، ويتناقض مع رسالتها الراقية وقيمها العليا.الفصاحة اللغوية والبلاغة والسجع والبيان لا يجعل من المقالة الرديئة والكتابة المتحيزة عملا صحفيا مؤثرا ونافعا، ولا يجعل من كاتبه صحفيا او قامة إعلامية لا يشق لها غبار.الشهرة قد تأتي مع الصحافة الراقية وغير الراقية لكن المصداقية والاحترام والثقة لا تأتي الا مع الحيادية والموضوعية والاستقامة وحرص القلم وصاحبه على القيم الاخلاقية والمبادئ وعدم الانخراط بتسخير هذا القلم للكتابة عن نزوات وتفريغ شحنات غضب لاسباب شخصية خاصة.لا يجوز تضليل القراء والجمهور بالحديث عن قضايا عامة في حين ان مضمون الحديث يتم توجيهه للتعبير عن قضية خاصة وايهام القارئ بانها قضية عامة في الوقت الذي يقوم الكاتب تلميحا وتصريحا بتوجيه رسائل خاصة لجهة او شخص محدد مفرغا جام غضبه وانفعالاته متذرعا ومتسلحا بالمصلحة العامة.النزاهة لا تقتصر على الاعمال ذات الطبيعة المالية أو الادارية واني أكاد أجزم بأن النزاهة في العمل الصحفي أشد أثرا وأكثر فائدة ونفعا للمجتمع من النزاهة في شتى الاعمال الاخرى.الكتابة الصحفية ليست كيد وصيد وترصد ولكنها فكر وتحليل ومصداقية...الكتابة ليست باطل بلبوس الحق...الكتابة ليست استغفال وتضليل للقراء وايهامهم بالحرص على الصالح العام في حين أن المقصود شخصي وخاص أو ان المستهدف جهة او شخص يقوم بعمله وفق مقتضيات القانون ومتطلبات الوظيفة...خلط الخاص بالعام مدان ولا ينفعه إعجاز وبيان