مكافحة الفساد بين حماية الوطن وسهام الانتقاد
محمد السعد
18-07-2020 05:35 PM
ماذا يريد الأردنيون؟ إن سكتت السلطات عن شبهات فساد أو تجاهلت مطالبهم بصون المال العام تتعرض للرجم والتخوين، في المقابل، تواجه بالتشكيك في المقاصد والنوايا إن تصدّت بمنهجية للملفات المشبوهة وقارعت الجهّات المشتبه بسوء استخدامها للسلطة.
منذ عقود والأردنيون يطالبون حكوماتهم بمساءلة القيّمين على المال العام ومحاسبة المقصرّين والفاسدين منهم، وعندما تفتح هيئة النزاهة ومكافحة الفساد ملفات مشبوهة تتعرّض لوابل من الانتقادات، تلامس حدود اغتيال الشخصية، من قلّة تسعى لإدامة منافعها على حساب قوت الشعب.
ليست المرّة الأولى التي تفتح فيها هيئة النزاهة ملفات مشبوهة، ولن تكون الأخيرة. فماذا استجد حتى صدحت الأبواق بالتشكيك واغتيال الشخصية؟ ولمصلحة من تتصاعد الانتقادات وتستعر حملات تشويه صورة من يحملون راية تطهير القطاع العام وفسخ الزواج غير المقدس بين مسؤولين في هذا القطاع وشركاء لهم في القطاع الخاص؟.
مطلقو حملات التشهير والتشكيك ضد الهيئة لا يريدون للأردن أن ينهض ويصرّون على اقتطاع حصّة الأسد من موارد الدولة، في وقت وصل فيه الفساد والتهرب الضريبي إلى مستويات مقلقة تنذر بنسف السلم الأهلي، في ظل اتساع الفجوة بين الإيرادات والنفقات والهوّة السحيقة بين الأثرياء وعامة الناس.
وحين جاء من يعلّق الجرس، تشكّل تحالف مبطن بين مستفيدين من منظومة الفساد وتابعين لهم التقت مصالحهم مع أبواق داخلية وخارجية، دأبت على بث أخبار معظمها ملفقّة عمّا يحدث في البلد. واستفادت هذه الجهّات من شح المعلومات الصادرة عن جهّات التحقيق إمّا لأن معظم القضايا منظورة أمام القضاء أو بسبب ضعف في العلاقات العامّة وأدوات التواصل لدى الجهّات الرقابية.
نحن لا نستبعد وقوع أخطاء في عملية التنفيذ وهذا متوقع بسبب عدد القضايا المرتفع بالمئات. ويجب تصويب المسار كلما حاد عن الهدف الأساس؛ وقف التطاول على المال العام واسترداد حقوق المواطنين. ولا يجوز أيضا تسريب أسماء أي شخص يخضع للاستجواب لأن المتهم بريء حتّى تثبت إدانته. وقد يظلم أشخاص في سياق عملية المحاسبة ولذلك لهم الحق في تقديم كل ما يثبت تبرئتهم من الاعتداء على المال العام.
ويجب الانتباه إلى عدم الخلط بين قضايا التهرب الضريبي وملفات الفساد. الأولى تستهدف استرداد قرابة مليار دينار من آلاف المتهربين، كادت أن تذهب هدرا بسبب استغلالهم ثغرات في قانون الضريبة السابق. والثانية ذات صلة بعشرات المتنفذين الذين أساءوا استخدام السلطة وجمعوا ثروات طائلة، مستغلين تساهل الأجهزة الرقابية في أوقات سابقة.
إذن مكافحة الفساد لا تتصل بعائلة أو عشيرة بعينها، ذلك أن التحقيقات تتعلق بعشرات الأشخاص من خلفيات مختلفة.
من بين عشرات شبهات الفساد واحدة ذات صلة بـ 105 أوامر تغييرية أصدرتها دوائر الدولة، ما أدّت إلى هدر قرابة 400 مليون دينار. وهناك العشرات من قضايا الاعتداء على المال العام، من بينها؛ الرشاوى واستخدام النفوذ.
لا عمل بلا أخطاء، ولننتظر نتائج التحقيقات، لكن مع الحرص على سمعة جميع المتهمين حتى تثبت إدانتهم أو براءتهم.
المعلومات المتوافرة تفيد بأن إدارة هيئة النزاهة وضعت استراتيجية محكمة من عدّة محاور: وقائي، عملياتي/ قانوني لكشف جميع ملفات الفساد والأمن الاقتصادي لاستعادة المال المهدور.
من هذا المنطلق، عدّلت الهيئة قانون هيئة النزاهة ومكافحة الفساد ووسعت من اختصاصاتها لملء الفراغات واستعادة الأموال المختلسة في مرحلة متقدمة. من أهم التعديلات، استرداد المال العام من خلال منح الهيئة صلاحية إجراء تسويات مع أشخاص من خارج الوظيفة الرسمية. مشروع القانون الجديد يجرم ما يعرف بالمال الأسود (السياسي) وشراء الذمم، الذي بات جرما من اختصاص مكافحة الفساد بعد أن كان جنحة. كما يجرم استغلال النفوذ بأشكاله كافة؛ الوظيفي والسياسي. كما اضطلعت مكافحة الفساد بآليات رقابية لم تكن ضمن اختصاصها، منها الكسب غير المشروع ومراقبة نمو الثروة وإشهار الذمّة المالية الكترونيا.
ويبدو أن قوى نافذة كانت تستفيد من قصور الأجهزة الرقابية أو تجاهلها لمنظومة الفساد، بدأت تستشعر قدرة الهيئة على امتلاك أدوات رقابية واسعة ودقيقة، والتالي سعت الى عرقلة عملها لحماية مكتسباتها في ظل قوانين سابقة غير مفعلة.
لذلك دعونا نتابع المواجهة الدائرة مع الحيتان المتهمة بالفساد، ثم نؤجل حكمنا على النتائج بمقدار المنفعة المرتقبة في دعم الخزينة وتخفيف العبء على عامة الناس.