الاردن ليس بلدا صغيرا كما يحلو للبعض وصفه , و انما يقع في صدارة عالم عربي هام يشكل ثاني اكبر مساحة في العالم بعد الفيدرالية الروسية ( اكثر من 17 مليون كيلومتر مربع) , اي اكثر من 14 مليون كيلومتر مربع , و في حالة وحدته على غرار اوروبا , فأن امكاناته الاقتصادية , ومنها السياحية مدهشة حقا . و العرب وحدهم يمتلكون 62% من احتياطي النفط في العالم , و عدد السكان يصل الى 4.7% من سكان العالم , و مساحة العالم العربي تشكل 10.5% من مساحة يابسة العالم ,واكثر من 62 مليون عامل , و الناتج المحلي العربي يعادل 2,1% من الناتج العالمي , و اكثر من 600 مليون دولار انفاقات العرب على شراء السلاح في السنوات الاخيرة حسب اخر الاحصاءات . وما يهمني هنا هو التعريف بأمكانات الاردن السياحية و مقارانتها بالروسية مثلها كمثل , مع الاخذ بعين الاعتبار بأنني اتحدث عن قطر عربي واحد هو وطني , المرتبط جغرافيا بالوطن العربي الكبير , و بالحضارتين الاسلامية و المسيحية . و في العمق حضارات توالت عبر تاريخ الاردن مثلت البناء المتواصل منذ عصر العموريين اشقاء الكنعانيين , وسمي الاردن كما هو معروف ببلاد عبر الاردن , ومر تاريخ الاردن بحقب تاريخية من مملكة الانباط الى البيزنطيين ,و اليونانيين , و الرومان . وفي العمق العصور الحجرية , و النحاسية ,و البرونزية ,و الحديدية .
ولقد شهد القرن الماضي حراكا لثورة العرب الكبرى المجيدة عام 1916 بقيادة ملك العرب و شريفهم الحسين بن علي طيب الله ثراه , و قصدت بناء دولة الاردن ,ووحدة بلاد الشام ,ووحدة بلاد العرب , و مواجهة مخلفات الحقبة التركية , وموجات الاستعمارين الانجليزي و الفرنسي , تماما كما نقل لنا من دفاتر التاريخ المؤرخ الاردني الكبير المرحوم سليمان الموسى في كتابه ( الحركة العربية . ص 695 ) , حيث كتب يقول : ان الوثائق المتوافرة بين ايدينا تدل ان الملك كان يتصور وحدة بين الاقطار العربية المتعددة ترتبط بعضها مع بعض بروابط تشبه روابط الوحدة بين الولايات المتحدة الامريكية , بحيث يتمتع كل قطر بالاستقلال الداخلي التام , بينما تتولى الحكومة المركزية السياسة الخارجية, و وبحيث تتمثل الوحدة في العلم الواحد, و النقد الواحد, و جوازات السفر الواحدة ,و المصالح الاقتصادية الواحدة , و الجيش الواحد.
لكن حراك الصهيونية , و الاستعمار بكامل قوس قزحه الانجليزي , و الفرنسي , وحاليا الامريكي و الاسرائيلي , كانو لتاريخ العرب المعاصردوما بالمرصاد , ولازالوا يختلقون الازمات , فتفوقت التجزءة على الوحدة , وتم تغليب شراء السلاح على الاقتصاد النافع للانسان العربي , وواصل الاحتلال الاسرائيلي بقاءه جاثما على ارض العرب , و قابله احتلال ايراني مماثل لجزر الامارات , وهلال شيعي يخترق العرب , ويلحق الضرر بهم تحت مظلة( تحريرهم) من الاستعمار الصهيوني . و هو الامر الذي انعكس سلبا على كل قطر عربي , و على الاردن تحديدا الواقع في واجهة العرب , و على اطول جبهة سلام و صدام كبير محتمل مع اسرائيل حالة شروعها بضم الغور الفلسطيني و منطقة شمال البحر الميت المحاذية للاردن , ولحدوده المعترف بها دوليا وفقا لمعاهدة السلام الاردنية الاسرائيلية الموقعة عام 1994 , بهدف تمرير صفقة القرن المشبوهة , و اجهاض دولة فلسطين و عاصمتها القدس الشرقية و لقرارالامم المتحدة 242 . و التجديف صهيونيا صوب تهجير اهل فلسطين , و لخلط الهويتين الاردنية و الفلسطينية . و لطمس حق العودة و التعويض للفلسطينيين المنكوبين و تحويله ليصبح حقا ليهود العالم , و مستوطناتهم غير الشرعية فوق اراضي العرب .
وما دفعني لكتابة مقالتي هذه هو القلق الملكي الذي قاده جلالة الملك عبد الله الثاني " حفظه الله" على السياحة الداخلية الاردنية و سط جائحة كورونا المسيطر عليها اردنيا , حيث اكد جلالة الملك على اهمية الترويج للاردن سياحيا , و على اهمية السياحة و تأثيرها على الاقتصاد الوطني . و اسعدني اهتمام جلالة الملك عبر حديثه في قصر الحسينية بتاريخ 12 تموز الجاري 2020 امام وجهاء محافظات المملكة بالانتاج الزراعي و الصناعي للوصول الى نتائج حقيقية اردنية . وهو الامر الذي يعكس العلاقة الوطيدة بين الاقتصاد الاردني بعد تعافيه و بين السياحة الاردنية الداخلية المحتاجة للمعالجة و التطوير على مستوى الاسعار و الخدمات . وكلنا نعرف في المقابل بأن نسبة الفقر(7و15% ) و البطالة (3و19%) مرتفعة و سط الطبقة الفقيرة ( 70%) حسب ارقام دائرة الاحصاءات العامة , و الطبقة المتوسطة المتراجعة (27% ) محتاجة لتنشيطها كما الفقيرة عبر نشر الانتاج الكبير في المحافظات القادر على استيعاب الطاقات الشبابية من الجنسين , و بالتالي لتحريك عجلة السياحة الداخلية , و بلدنا متحف وطني مفتوح يستحق ان يتم تطوير مراكزه السياحية الحضارية الموزعة بين الشمال و الوسط و الجنوب .
لدينا البتراء المدينة النبطية الوردية الفريدة من نوعها في العالم , وتحتل الرقم 1 على خارطة السياحة الاردنية, و 80% من سكانها يعيشون على السياحة . و الى جوارها مدينة العقبة و بحرها الاحمر و المرجان , و بالقرب منهما وادي رم الساحر بجمال هضابه الوردية ايضا . و لا نريد منافسا للملكية الاردنية الى الجنوب , والى خارج البلاد ,بل نريد لها ان تتميز بأسعار تذاكرها و ما تقدمه من خدمات للمسافرين , و اسعار خاصة للاردنيين في الفنادق السياحية . ولايوجد مانع من ان يكون لكل مدينة اردنية مهرجانها , وعيدها لكي تزدهر و تطور من بنيتها التحتية . و سيبقى المغطس مقصدا للحجيج المسيحي خاصة بعد اعتراف الفاتيكان بمكانته الدينية و تعميد السيد المسيح فيه , و الجانب الاردني من البحر الميت يتميز بتطور الخدمات الفندقية رفيعة المستوى فيه , لكنه محتاج لتخفيض اسعار استخدام فنادقه على الاردنيين ابناء البلد , و جعل دخولية فنادقه مجانية للاردنيين الراغبين بقضاء يومهم هناك من دون منامة . ولحمامات ماعين المعدنية رونقا خاصا, لكن الطريق الى هناك محتاجة لتوسعة و لجدران واقية , و ربما لاستبدال بغيرها , او بتلفريك . وفي الوسط اثار جرش الرومانية التي يعانق سماءها الف عامود , وهي محتاجة لخدمات اضافية مثل بناء مظلة تربط مدخل المدينة الخارجي بمدخلها الداخلي حيث تباع تذاكر الدخول . والفرس الابيض الذي تم تثبيته على مدخل مدينة جرش من جهة عمان محتاج لاستبداله بغيره من مجسمات خيول الثورة العربية الكبرى المكونة من الحديد الاسود و الفولاذ مثلا , او بجرة مياه كبيرة على شكل شلال تليق بمدخل المدينة السياحية الاردنية رقم 2 في الاردن . و جرش محتاجة لفندق خمسة نجوم , و دار للسينما , و مسرح شتوي . ومهرجان جرش الدولي يرنو لاعادته الى صورته الجميلة الشعبية حيث بدأ مع موسيقات قواتنا المسلحة الاردنية الباسلة ,فهو لجرش و اهلها , و لكل الاردن , و لكل العرب , وهو دولي . وجامع للثقافات و الحضارات العالمية .
وفي اقصى الشمال اثار ام قيس المطلة على هضبة الجولان العربية السورية ,وعلى الحمامات المعدنية , و في لواء الكورة حمامات غيرها تتطلب الاهتمام و التطوير . نعم لقد تأثرت السياحة سلبا كما الاقليمية و العالمية جراء جائحة كورونا العابرة , و التي ندعو الله ان لا تكرر ذاتها مطلع الشتاء المقبل , فتراجعت الايرادات السياحية الاردنية الى 784 مليون دينار اي 1,12 مليار دولار , و حققت نسبة انخفاض 10,7% بالمعيار السنوي , و اكبر خسارة سياحية سجلها شهر اذار المنصرم من هذا العام 2020 , و انخفاض بلغت نسبته 60% على صعيد السياحة الخارجية . و بعد شكر الحكومة الاردنية التي يتقدمها دولة الدكتور عمر الرزاز على حملة انقاذ السياحة الاردنية , واعلان 3 برامج عملية هادفة , و تنفيذ امري الدفاع 13-14 , بحيث يتم تسهيل اعمال المكاتب السياحية و رفدها ب 30 مليون دينار , حماية العاملين في السياحة , و تخفيض الضريبة , وتقسيطها على الفنادق و المنتجات السياحية بنسبة 8% , و تحقيق سيوله 190 مليون دينار .
و اقتراحي هنا هو تقديم عروض سياحية داخلية و خارجية جادة للمدارس , و الجامعات , و الاحزاب , و النقابات , و الاندية , والجمعيات . و الاهتمام اكثر بتعديل تذاكر السفر على الملكية الاردنية التي لا نرغب بأن تظهر شركة اخرى تنافسها , و انما المطلوب تطوير اعمالها لكي تخدم اكثر راحة المسافر , و التدقيق بأسعار الفنادق في المقابل لكي تصبح منافسة لمثيلاتها في الجوار الاقليمي . وعلى صعيد السياحة الروسية في المقابل , فأنها و كما الاحظ , ومن خلال تجربتي الشخصية , محتاجة لخبرات اجنبية فندقية , و منها اردنية , لكي لا يلجأ السائح الروسي لصرف مليارات الدولارات على السياحة التركية فقط , وتزاحم هناك في تركيا كمثل اكثر من 7 مليون سائح روسي قبل كورونا, و دخل سياحي تركي من السياحة التركية تجاوز ال 26 مليار دولار بعد عام 2017 , بعد تجاوز المطبات السياسية بين البلدين تركيا و روسيا .
ووجهة السائح الروسي ايضا الى ابخازيا , و ايطاليا , و اسبانيا , و لنا هنا في الاردن نصيب منه , حيث تراوح تعداد السياح الروس من 30 الى 70 الفا في السنوات الاخيرة , و للسياحة الدينية و العلاجية نصيب هام من وسط مقاصد الروس الى المناطق الدافئة مثل الاردن . و الان فرصة روسيا لاعادة حساباتها السياحية الداخلية و الخارجية بالاعماد على الذات , والى تنويع السياحة الروسية لتشمل مناطق جغرافية جميلة مثل الاردن . و الروس بالمناسبة هم من يصفون شرقنا بالقريب , و يسمونه الشرق الاوسط القريب , واكثر من 20 الف خريج لروسيا و السوفييت , ولنا معهم علاقات تاريخية على اكثر من مستوى , وفي مقدمتها التعليم . وهم و الاجانب عموما يحبون الطعام العربي الاردني مثل المنسف , و الملفوف , وورق العنب , و الملوخية , و المقلوبة .ونحن العرب نعشق المأكولات الروسية مثل البورش اي الشوربة الدسمة , و الاوخا شوربة السمك , و السلطات الروسية مثل ستاليجنايا , و غيرها المكونة من الجزر . ووجبة البلوف اي المقلوبة الروسية . الامر الذي يتطلب معه فتح مطعم روسي ناجح بعمان , و اخر اردني في موسكو يرافقهما متجر روسي هنا في عمان , و اخر اردني هناك في موسكو . واجمل الاماكن الروسية السياحية و الحضارية الممكن زيارتها هي مدينة سانت بيتر بورغ الاجمل في العالم , حيث القصور التاريخية المطلية بالذهب و حجر الينتار , و العاصمة موسكو ذات البنية التحية العملاقة , و مدينة سوتشي البحرية رائعة الجمال , ناهيك عن البايكال , و الادغال السيبيرية الواسعة . والروس مثلنا قريبون منا , ولديهم مثل يقول : " لاتملك مائة روبل بل امتلك مائة صديق . ونحن نقول في شرقنا , وفي ريفنا , و باديتنا الاردنية الضيف ثلاثة ايام و ثلث لا يسأل , و مرحب به مجانا .