قلة هم المسؤولون الذين خرجوا من السلطة وبدأوا يعملون في السياسة ويتحدثون بالشان العام, فهناك تقليد سيئ في المجتمع ان المسؤول يبقى صامتا في تقاعده واذا ما تناول قضية ما فسرعان ما يتهم بانه معارضة.
عندما كشفت "العرب اليوم" قضية "كازينو البحر الميت" بعد عمل استقصائي بحت تعاملت معها حكومة الذهبي حينها على اعتبار انها قضية رأي عام وشغلت مكانة الاعلام ووظفتها لصالحها وهو حق لها, في المقابل نجد ان الصمت خيم على حكومة البخيت التي منحت رخصة الكازينو ولم يخرج احد علينا بتصريح يشرح به سياسة الحكومة وقتها او يدافع عنها او يوضح أية ملابسات, واكتفى وزراؤها بتصريحات مخجلة ان دلت على شيء انما تدل على حالة التخبط التي كانت تسود الحكومة في ذلك الوقت.
قبلها عندما انتقد الاعلام برنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي الذي انفق 356 مليون دينار وانه اضاع الكثير من موارد الدولة على مشاريع ليست ذات جدوى او منفعة للاردنيين لم نسمع احدا من مسؤولي الحكومات او السادة الوزراء المعنيين بالبرنامج من يدافع عنه او يفند ما تحدثت به الصحافة رغم وجود تقييم للبرنامج في ادراج الحكومة.
اليوم يكاد يكون مشابها, حكومة الرفاعي تعيش في وضع اقتصادي صعب وصل في بعض مؤشراته المالية الى درجة القلق, حيث بدا واضحا للعيان ان الاقتصاد الاردني دخل في نفق مظلم ولم يعد بالامكان الخروج منه الا بوساطة قرارات غير شعبية على الاطلاق بعد ان تراجعت المنح للمملكة.
جزء كبير من تردي الوضع الاقتصادي الراهن يعود الى سوء التقديرات التي شهدتها ارقام موازنة ,2010 وعلى ما يبدو فان هناك تجاوزات في تركيبة قانون الموازنة بحيث ان الحكومة الحالية وجدت نفسها في ورطة بعد اكتشافها جملة من الحقائق والمعطيات التي اخفتها الحكومة السابقة بقصد او من دون قصد, فالامر واحد.
الحكومة الحالية تتهم الحكومة السابقة علانية انها لم تضع في موازنة 2010 ما مقداره 160 مليون دينار نفقات ولم يتم ادراج مخصصات للبلديات والشباب والمطار وغيرها من النفقات التي لا يحتمل تأجيلها.
حكومة الرفاعي تقول انها استلمت موازنة فيها تقديرات خاطئة للايرادات الضريبية بمقدار 90 مليونا, وفيها ايضا تقدير خاطئ للمساعدات بقيمة 170 مليون دينار على اعتبار انها مساعدات قيد الانتظار.
الحكومة الحالية تقول علنا ان العجز الحقيقي لموازنة 2010 (1.105) مليار دينار وليس 685 مليون دينار كما تم تقديره في قانون الموازنة المؤقت, وتقول كذلك انها ستلجأ الى قرارات صعبة وشجاعة لمعالجة هذا العجز قد يكون منها زيادة الضرائب.
في المقابل لا نجد من حكومة الذهبي من يوضح للرأي العام كيف حدثت تلك المشاكل بوتيرة متسارعة بعد ان اشبعتنا الحكومة العام الماضي بالحديث عن بركات الازمة المالية العالمية على الاقتصاد الوطني, او حتى من يدافع عن تلك السياسة التي اتبعت ويواجه الاتهامات التي وجهت اليهم علما ان هناك 13 وزيرا من حكومة الذهبي يعملون في وزارة الرفاعي.
من حق الاردنيين دافعي الضرائب الذين يتأهبون اليوم لاستقبال قرارات مالية صعبة لمعالجة الاختلالات التي احدثتها السياسات الرسمية بالوقوف على حقيقة الامر والاطلاع على تفاصيل الموقف المالي وكيفية وصوله الى تلك المستويات غير الآمنة.
لا يعيب المسؤول ان يدافع عن سياسته حتى ولو كان خارج السلطة, المعيب ان يبقى صامتا, فالسكوت لا يعني الا انه مدان وان كل ما يقال عنه ويوجه له من اتهام صحيح, او انه جزء من المعادلة السياسية التقليدية المتبعة التي تلجم المسؤولين عن الحديث بالشأن العام وكأن المسؤول مطالب عندما يتقاعد ان يقضي وقته بالحديث عن الازياء والسفريات.0
salamah.darawi@gmail.com
العرب اليوم