لو سكت الوزراء لكان خيرًا لهم
د.يوسف الربابعة
22-02-2010 01:44 PM
هناك مقولات لدى الكتاب والسياسيين والنخب ترى أنه، ومن باب العدالة والموضوعية، أن تعطى أي حكومة قادمة الفرصة للكشف عن مخططاتها وأدائها، وأن لا تحاكم على أخطاء سابقة وأزمات لم تكن شريكة فيها، وهذا أمر معقول ومقبول، كما أن كل حكومة تضع نفسها تحت رقابة الشعب لتقييم دورها، لكن الذي يحصل مع هذه الحكومة أنها لم تعط الشعب فرصة للتفكير المتأني والمراقبة الصامتة، فقد وقعت في أزمات حادة ومؤثرة ولم تبد أي استعداد وقدرة للتعامل مع المشاكل بالطريقة الصحيحة، وبقيت أغلب المشاكل عالقة أو أنها حلت بطريقة غير مرضية.
كل ذلك كان يمكن ان يمر ويُنسى لو بقي الوزراء صامتين ولم يخرجوا على شاشات التلفزة وأمام الكاميرات واللقاءات الصحفية، كان يمكن أن تبقى هيبتهم بصمتهم، وأن يستمر إعجاب الناس ببذلاتهم وربطات أعناقهم وأناقتهم، لكن حديثهم وتصريحاتهم كشفت عن سطحية تفقد الهيبة، كما قال الشاعر العربي زهير بن أبي سلمى:
وكم من صامت لك معجب زيادته أو نقصه في التكلم
تبدو تصريحات بعض الوزراء خارجة عن ثقافة الدولة والمؤسسات العامة، وهنا يظهر الفرق جليا بين رجل الدولة ورجل الأعمال، ولا أقصد هنا أن رجل الأعمال أقل قدرا، لكن لكل موقعه وثقافته، إذ إن رجل الدولة يملك حساسية مفرطة تجاه المصلحة العامة، ويشعر بالمراقبة الدائمة من المواطن والشعب ويحترم النقد ويتعامل معه بمهنية عالية، لأنه يدرك أنه في موقع عام وأن للناس في عنقه دين لا يقدر على سداده مهما فعل، فهو مدين دائما لمؤسسات وأفراد ونخب، وعليه أن يعمل لإرضائهم، وليس الاسترضاء كما يظنه وزراء اليوم، بل هو قائم على حسن الأداء والتصرف ومراعاة المصالح العامة قبل المصالح الشخصية، الجرأة على اتخاذ القرارات في الوقت المناسب، من غير تردد وارتباك.
كثيرا من الوزراء الذين عقدوا مؤتمرات صحفية، أو ظهروا للحديث عن بعض المشاكل قد أساؤوا من حيث لا يشعرون، بل إنهم خالفوا أساسا من أساسيات الحكم حين يرفضون النقد والاستماع لوجهات النظر المخافة، بدعوى أنهم لا يسعون إلى الشعبية، فالشعب هو مصدر الحاكمية وهو مصدر الشرعية أيضا، وعدم الالتفات لرأي الشعب هو دليل على عدم احترام الدولة، لأن الحكومة تأخذ قوتها وهيبتها من قوة الشعب ومناصرته لها، وإلا فإنها ستتحول إلى شركة خاصة تدار بعقلية أحادية مفصولة عن قواعدها، وهذا ما لا نريده، لأننا نسعى دوما لأن تبقى الدولة بكامل قوتها وهيبتها، ثم إن هناك تصريحات تخالف الدستور الذي ينص على أن السلطة التشريعية هي التي تتولى إقرار مشاريع القوانين المقدمة من الحكومة، واقتراح مشاريع قوانين لتتقدم بها الحكومة، والرقابة على عمل السلطة التنفيذية من خلال طرح الأسئلة والاستجوابات على الوزراء، وينفرد مجلس النواب بصلاحية منح الثقة للحكومة الجديدة، أو طرح الثقة بالحكومة الحالية وأي من وزرائها، وكذلك توجيه الاتهام إلى الوزراء بارتكاب أي من الجرائم الناتجة عن تأدية عملهم، وتتم محاكمتهم عندها أمام مجلس عال لمحاكمة الوزراء.
أما هذا النزق أمام الكاميرات والتحدي الذي يبديه بعض الوزراء عند أول اختبار فهو غير مقبول، ولا يليق بمن يمثلون سلطة الدولة، التي هي ملك لعموم الشعب وليس لخاصته، وعلى الوزراء أن لا تبهرهم أضواء الكاميرات، لأن الأخطاء لم تعد مقبولة، ويبدو أن هذه المشكلة يعاني منها كثير من الوزراء الذين سمعناهم على مدى الشهر السابق وليس آخرها تصريحات الوزير الفاخوري.
نرجو أن يحفظ وزراؤنا القانون العربي الذي يقول: " لكل مقام مقال" وأن يتنبهوا إلى قول أحد الحكماء حين قال: " ربّ كلمة تقول لصاحبها دعني"