حادثتان وتعليقان
اللواء المتقاعد مروان العمد
14-07-2020 08:02 PM
انشغلت مواقع التواصل الاجتماعي في الاردن بالحديث والتعليق على حدثين حدثا في الايام القليلة الماضية، اولهما خارجي ولكن كانت له انعكاساته الداخلية والثاني داخلي.
الحادث الاول يتعلق بالقرار الذي اتخذه القضاء التركي بتحويل متحف ايا صوفيا الى مسجد ، وما اثاره هذا القرار من مناقشات حامية الوطيس بين المواطنين الاردنيين.
والحادث الثاني يتعلق بالقرار الذي اتخذه مدعي عام هيئة النزاهة ومكافحة الفساد بتوقيف احد كبار المقاولين الاردنيين وما اثاره هذا القرار من ردود افعال.
وقبل ان اتحدث على هذين الحدثين فأنني اود ان اشير الى انني لن اعلق عليهما بحد ذاتهما ولن ابدي رأيي الشخصي بهما بالرغم من وجود مثل هذا الرأي لدي . ولكني سوف اكتفي بالتحدث عن طريقة تناول الكثير من الاردنين لهذين الحدثين على وسائل التواصل الاجتماعي ، ولعل الطريقة التي تم بهما الحديث عنهما والحدة التي جرى بها هذا الحديث هي التي جعلتني لا ابدي رأيي بهما ولكن بطريقة مناقشتهما وطرحهما على وسائل التواصل الاجتماعي .
وفِي البداية فأنني سوف اتحدث عن موضوع اياصوفيا . وأيا صوفيا بنيت ككنيسة مسيحية ارثوذكسية عام 537 ميلادية على عهد الامبراطور الروماني جيستنيان الاول ، وعلى انقاض ثلاث كنائس كانت مقامة في موقعها لتكون تحفة فنية ومعمارية في عهدها ولا تزال ، ولتصبح مركزاً للكاتدرائية الارثوذكسية الشرقية . وفي عام 1453 قام السلطان العثماني محمد الفاتح بأحتلال مدينة اسطنبول وقام بتحويل هذه الكنيسة الى مسجد وانتقلت الكاتدرائية الارثوذكسية الى كنسية اخرى في اسطنبول . وبقي الوضع على حاله الى مابعد سقوط الدولة العثمانية حيث قام الزعيم التركي العلماني كمال اتاتورك بتحويلها الى متحف في عام1935 . وبقيت كذلك الى ما قبل ايام قليلية وسط دعوات تركية كثيرة بإعادتها الى مسجد الى ان تم ذلك في الايام الاخيرة وصدور حكم من محكمة تركية استناداً الى وثيقة قيل انه تم اكتشافها حديثاً تتضمن ان السلطان محمد الفاتح كان قد قام بشراء الكنيسة من كرادلتها من ماله الخاص ثم حولها الى وقف خاص . وفور صدور قرار المحكمة وبنفس اليوم اصدر الرئيس اردوغان مرسوماً بأعادة تصنيف اياصوفيا كمسجد وتم نشر ذلك في الجريدة الرسمية . وبذلك يكون قد حقق حلمه ووعده منذ ايام رأسته لبلدية اسطنبول .
وقد قوبلت هذه الخطوة بالإستياء والانتقاد من قبل اليونان وروسيا والاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الامريكية واليونسكو وبطريرك الكنيسية الروسية الارثوذكسية على اساس ان هذا الفعل سوف يثير غضب ملايين المسيحيين حول العام وسيتسبب في شرخ بين الشرق والغرب وبين المسيحيين والمسلمين .
صحيح ان ديننا الاسلامي قد دعا الى احترام اماكن عبادة اصحاب الديانات الاخرى الا ان التاريخ قد شهد العديد من الحالات التي حولت فيها مساجد الى كنائس وكنائس الى مساجد وخاصة اثناء الحروب الصليبية ثم عادت الى ما كانت عليه. كما ان الدولة الاموية عندما اقيمت في اسبانيا هدمت الكنائس المسيحية فيها وحولت بعضها الى مساجد وبنت مساجد اخرى جديدة. وعند سقوط ممالك الطوائف في الاندلس قامت الجيوش المنتصرة بهدم الكثير من المساجد. كما تم تحويل الكثير منها الى كنائس ولا زالت معظمها قائمة الى الأن . الا انه وفِي اوقات اخرى اعيد القليل منها كمساجد وحول بعضها الى متاحف . كما ان الكثير من الكنائس في الدول الغربية في العصر الحديث قد اغلقت ثم حولت الى مساجد .
يمكن ان يكون لتركيا مبرراتها واسببها لما قامت به ، وربما لاردوغان اسبابه الخاصة للقيام بذلك . ولكن كان يجب ان تبقى هذه القضية في اطارها وانها شأن تركي وفِي نطاق نزاعها مع الاتحاد الاوروبي ودوله وأن لا تتحول ليتم تصويرها وكأنها نصراً كبيراً للاسلام والمسلمين ، وكأن المسلمين قد حققوا جميع انتصاراتهم على اعدأهم وحرروا جميع ديارهم ووحدوها واعادوا تطبيق الشريعة الاسلامية فيها ولم يبقى عليهم الا قضية اياصوفيا حيث اكتمل نصر الاسلام والمسلمين بأعادتها لتصبح مسجداً كما صور ذلك الكثير من المعلقين والمغردين الاردنيين .
وقد طغى هذا الموضوع على قضايانا كلها بما فيها القضية الفلسطينيه والقدس والاقصى وغطى على عزم الكيان الصهيوني على قضم المزيد من الاراضي الفلسطينية وضمها الى كيانه المغتصب الذي لا اجد أحداً يتحدث عنه تقريباً . واكثر من ذلك فقد تم تناول هذا الموضوع بالكثير من الحدة وتم تصوير معارضيه بأن موقفهم هذا لا يقل عن الخيانة والتنكر للدين الاسلامي والارتماء باحضان كل من يتآمر على الاسلام وعلى تركيا . يقول البعض ان هذا الموقف هو رد فعل على تحويل الكثير من المساجد في اسبانيا الى كنائس بعد انتصار الاسبان على ملوك الطوائف فيها . وان من حق الدولة العثمانية ان تحولها الى مسجد اثر انتصارها على الامبراطورية الرومانية الشرقية وان هذا من حق المنتصر . واليس هذا يعطي شرعية لكل المساجد التي حولها الاسبان الى كنائس بعد انتصارهم على بقايا الدولة الاموية في اسبانيا ؟. اليس هذا يعطيها مبرراً وحجة لتحويل المتاحف التي كان اصلها مساجداً الى كنائس ؟ واليس هذا يعطي للصهاينة حجة لتحويل المسجد الاقصى الى كنيس يهودي اومعبد لهم وبحكم قضائي كونهم يدعون او يعتقدون انه كان هيكل سليمان او انه اقيم على انقاضه ؟ . ثم ما الفائدة التي نحققها من إثارة حرب دينة في هذه الظروف وحتى لتركيا التي تخوض حالياً الكثير من المعارك مع الكثير من الاعداء وهل هي بحاجة للمزيد منهم ؟ . ثم ماذا نستفيد نحن في الاردن من اشعال فتيل فتنة طائفية مع اخواننا المسيحيين او على الاقل خلق نوع من الجفاء بيننا وبينهم وهم ومن حقهم ان لا يرون ما نرى بشأن هذا التحويل . ثم ان كمال اتاتورك على علمانيته لم يحول ايا صوفيا الى كنيسة بل حولها الى متحف اصبح من اهم متاحف العالم ويرتاده الناس من مختلف الملل الاديان ؟ وهل ينقص تركيا المزيد من المساجد ؟ وهل مبنى المسجد مقدس بحد ذاته بحيث يمنع هدمه او تحويله لغايات أخرى ؟ الدواعش قطعو رقاب اعدائهم واعناق اقارب اعدائهم ، فهل هذا يعطينا الحق من الناحية الاخلاقية والدينية ان نقطع اعناقهم واعناق اقربائهم ؟ هذه أسئلة ليست مطروحة على تركيا فهي اتخذت قرارها وعليها تقع تبعاته ، لكن هي للمغردين والمعلقين الاردنيين الذين شغلونا بهذا الامر وجعلوه اولويتهم الاولى .
اما القضية الثانية فأنني لا اريد ان اخوض في تفاصيلها ولكني اريد ان اقول انني مع محاربة الفساد والفاسدين مهما كانوا وكان مركزهم . وان ذلك يجب ان يتم عن طريق القضاء والذي يعطيه القانون حق الحجز على الاموال حتى لا يمكن التصرف بها وحق التوقيف على ان يستعمل هذا الحق بحالة الضرورة ( منعا للهروب والذي اذا تم لوجه الاتهام للدولة بالتقصير او تسهيل حصول ذلك ) وحتى تتم التحقيقات معهم تحت هذا الظرف ، او الانتظار الى حين صدور قرار قضائي قطعي وهذا ما اميل انا اليه .
ولكن لنتحدث بصراحة ، اليس هذا مطلب الجميع تقريباً ممن يدعون لمحاربة الفساد والفاسدين ؟ اليس الكثيرون منا يطالبون بأعلان اسماء الفاسدين والتشهير بهم وتوقيفهم وخاصة اذا كان من الشخصيات المعروفة والمشهورة ؟ . الا يطالبون بجلب كل اصحاب الاموال والثروات واستضافتهم في رتز كارلتون اردني وعدم الافراج عنهم الا بعد تجريدهم من اموالهم التي اكتسبوها من غير حق وان يتم ذلك من غير قرار قضائي ، لا بل دون تحقيق ودون تقديم اية بينات ؟ . اليس الكثيرون منا يطالبون ان يتم الكشف عن المتهربين ضريبياً واعلان اسماؤهم للتشهير بهم وقبل صدور قرار قضائي ؟ فلماذا يتغير ذلك عند الاعلان عن توقيف البعض بتهمة الفساد ولماذ يصبح الكثيرون يدافعون عنهم ويتهمون الدولة بأن هذه عملية تصفية حسابات .
ودعونا ننسى هذه القضية الاخيرة وما اثير حولها من احاديث ، ولنتساءل هل تم الاعلان عن قضية فساد بحق احدهم دون ان يقوم البعض بالتضامن معه من افراد عائلته وعشريرته او سكان منطقته والخروج للشارع للمطالبة باطلاق سراحه واصدار بيانات الشجب والاستنكار لقيام الدولة بذلك واتهام الجهات الرسمية بالانتقائية او بتعمد الإساءة للشخص المعني او لعشيرته ؟ او دون ان يقوم آخرون بالإساءة لهذا الشخص والتشهير به ونسبة تهم له غير منسوبة الية في الاساس ؟ او دون ان يستغل البعض الامر لحياكة العديد من قضايا وقصص الفساد ونسبتها لاشخاص معينين والقول انه تم الحجز على اموالهم او انه تم الزج بهم في السجن او انهم هربوا لخارج البلاد في حين انه لاساس لصحة هذه المعلومات ولا مصدر لها . لماذا هذه المساجلات على وسائل التواصل الاجتماعي ؟ ولماذا هذه البيانات المتضاربة التي تصدر من هنا او هناك ولماذا اعمال التظاهر الاعتصام والإحتجاج والاخلال بالأمن ؟ . هل فعلاً نحن نريد دولة القانون ؟ هل نحن نريد حقاً محاربة الفساد ولكن بعيداً عنا وعن اقاربنا وافراد عشيرتنا .
في القضية التي جرى الحديث عنها وبالرجوع لما ورد في توضيح هيئة النزاهة ومكافحة الفساد فأن ما هو منسوب كثير جداً وخطير . لكن هذه جهة اتهام عليها ان تتهم وان تقدم الدليل عليه امام القضاء ليقول كلمته الفصل ، ولا يجوز بل يمنع الحديث عن هذه التفاصيل في هذه المرحلة لأن ذلك يمس بأساسيات العدل بالقضية المعروضة وربما يكون رأياً عاماً مع اوضد الشخص المتهم ، وقد يؤثر هذا الرأي العام على قرار هيئة المحكمة ، اوقد يفتح مجالاً للاعتراض على هذا قرار اذا لم ينسجم مع هذا الرأي العام .
وبنفس الوقت فأن حق الدفاع عن النفس مقدس وامام المحكمة وليس على وسائل الاعلام ولا من خلال وسائل التواصل الإجتماعي ولا من خلال البيانات الفردية والجماعية . ولكن في هذه القضية فقد ارتكبت كل تلك المخالفات وخاصة ما صدر عن عضو السلطة التشريعية منذ عام 2003 وحتى الآن والذي شغل رآسة مجلس النواب لعدة دورات ولا يزال في منصبه هذا حتى هذه اللحظة من حديث عن صراع السلطات وتغول السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية وعن المحسوبية والصراعات وتصفية الحسابات التي كانت ترد قصصها في فيديوهات الذباب الإلكتروني في الخارج . الامر الذي ما كان يجب ان يصدر منه وخاصة مع ما هو معروف عنه من اطلاع واتزان وكظم للغيظ وعقلانية ، وخاصة انها تسيئ اليه اكثر من غيره لسكوته عنها في حال صحتها طوال هذه المدة الماضية رغم موقعه . اعتقد ان ما صدر منه كان في لحظة غضب وانفعال والدليل على ذلك سرعة سحب البيان والذي يجب علينا سحبه من سجلاتنا وذاكرتنا .
كما اتمنى على الحكومة الاستمرار في سياستها بملاحقة الفاسدين بحيث تشمل هذه الملاحقة جميع الفاسدين وخاصة الكبار منهم ودون استثناءات وبشكل جماعي ينفي عنها صفة الاتتقائية او تصفية الحسابات التي لطالما اتهمت بها في مثل هذه الحالات . وان تتجنب التوقيف قبل صدور قرار قطعي بالادانة من المحاكم الا للضرورة القصوي التي تبرر ذلك . وان يتجنب الجميع استغلال الاعلان عن مثل هذه الحالات للتشهير بمن وجهت اليهم التهم قبل الادانة وان لا يتم توجيه تهم مماثلة لاشخاص آخرين لم توجه لهم مثل هذه التهم . ولنعلم بأنه اذا كانت محاربة الفساد بشفافية وصدق يخدم الاقتصاد ويعيد ثقة المستثمرين في الاردن فأن كثرة الحديث عن الفساد واتهام الآخرين به من غير اساس و دليل يهدم الاقتصاد ويضعف ثقة المستثمرين به . ولنتقي الله بهذا الوطن .