أيا صوفيا .. العودُ أحمد
المهندس حسين منصور الحياري
14-07-2020 06:42 PM
بُنيت أيا صوفيا في الجزء الأوروبي من مدينة اسطنبول على التلة المطلة على إلتقاء بحر مرمرة مع مضيق البسفور والقرن الذهبي. وكان الذي بناها عام 537م هو الامبراطور جستينان الأول، وعُدّت من أعظم الكنائس المسيحية بالعالم بل وأكبر مبنى بالعالم في وقته، وكان قد بني في مكانها وبنفس الاسم مبنيين ولكن بحجم أقل، وبقيت كتدرائية أرثوذكسية إلى عام 1204م حيث حوّلت إلى كاثوليكية ثم عادت أرثوذكسية في عام 1261م .
فَتح السلطان العثماني محمد الفاتح مدينة القسطنطينية في يوم الثلاثاء السابع والعشرين من شهر أيار عام 1453م، ودخل إلى أيا صوفيا، ولم يكن في المدينة أي مسجد، لذلك رأى السلطان أن لابدّ من بناء كبير ليتم إقامة صلاة الجمعة فيه، فقام بشراء الكنيسة من القساوسة المسوؤلين عنها ودفع ثمنها من ماله الخاص وجعلها وقف للمسلمين سماه وقف السلطان أبو الفتوح محمد.
اتخذت الدولة العثمانية اسطنبول عاصمة لها وبقيت كذلك لحين سقوط الدولة بعد الحرب العالمية الأولى، وكانت معظم الاحتفالات الدينية والرسمية تقام في مسجد أيا صوفيا، و بعد انهيار الدولة العثمانية وقيام الجمهورية التركية بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، تم تحويل مسجد أيا صوفيا إلى متحف وكان ذلك في عام 1934م . وبقيت متحفاً إلى أن حكمت المحكمة العليا التركية في يوم الجمعة 10/7/2020م ببطلان قرار تحويلها إلى متحف لأنها وقف إسلامي خاص، وقام الرئيس أردوغان بالتصديق على قرار المحكمة ونشره بالجريدة الرسمية في نفس اليوم، وأعلن أن أول صلاة جمعة ستكون بالمسجد يوم 24/7/2020، وبدأت الاستعدادات لتحضير هذا الأمر الجلل.
بعد هذا السرد التاريخي نتسائل لماذا اختارالرئيس أردوغان هذا الوقت بالذات لإعلانه إعادة أيا صوفيا إلى مسجد ؟ هذا مع العلم أن الإسلاميين في تركيا وبكافة أطيافهم من صوفيين ونورسيين وأربكانيين وغيرهم كانوا من وقت طويل ينادون بإعادة أيا صوفيا لمسجد، وأنهم كانوا يشترطون على الرئيس قبل كل انتخابات برلمانية أو رئاسية هذا الشرط وكان يوعدهم ثم يماطل، مع العلم بأنه كان هو نفسه ينادي في شبابه بضرورة عودة المسجد وأذكر هنا أنه في عام 1975م اشتركت أنا شخصياً في مظاهرة نظمها أنصار حزب السلامة الوطني (اربكانيين) انطلقت من ميدان بايزيد إلى أمام أيا صوفيا وكانت المظاهرة تنادي وتطالب بفتح ايا صوفيا للصلاة، وكان الرئيس أردوغان الطالب في حينها بجامعة مرمرة أحد زعماء المظاهرة ( كان في وقتها عضو بحزب السلامة الوطني ).
إذاً لماذا الآن وفي هذا الوقت يقرر الرئيس ذلك؟ إن الرئيس قارىء جيد للتاريخ ويعرف كيف يصنع التاريخ وكيف يسجل اسمه في صفحاته بشكل لا يمكن محيه ولقد حقق ما أراد ، فالعالم الآن مشغول بقضية كورونا وما سببته من هزات اقتصادية مدمرة لكل دول العالم فأوروبا وأمريكا وروسيا مشغولة بنفسها ولا تستطيع أن تقوم بأي عمل ضد تركيا، وسيكون الشجب والإدانة ( على الطريقة العربية ) هو أقصى ما يمكن أن يفعلوه، والرأي العام التركي يؤيد وبنسبة عالية تتجاوز 80% قرارالتحويل، وحتى الأحزاب العلمانية المعارضة أعلن الكثير من مؤيديها قبولهم ومباركتهم للقرار.
إذاً نجح الرئيس باختيار الوقت المناسب في إعلان القرار الهام، ونحن نبارك للشعب التركي صاحب التاريخ الإسلامي العريق ونبارك للأمة الإسلامية التي استقبلت القرار في كثير من بلادها بالفرح والتأييد نبارك لهم جميعاً عودة أيا صوفيا قلعة من قلاع الإسلام يصدح منها الآذان وتقام بها الصلاة إلى يوم القيامة إن شاء الله .