المتسوق الخفي يمثل بالأساس أداة تسويقية مهمة من أدوات تطوير جودة الخدمة المقدمة ، والحفاظ على استدامتها لأطول فترة ممكنة ، وقد ظهرت بداية في المؤسسات السياحية كالفنادق والمطاعم ، وكانت مطاعم دومينوز الأمريكية من أوائل المتاجر التي طبقته، ولكن بسبب حركة المستهلك والديناميكية التي تشهدها مؤسسات الأعمال، وسهولة استخدام هذه الأداة؛ جعل منها أداة مفضلة وشائعة الاستخدام في صناعات أخرى تجارية وغير تجارية، فقد وصلت إلى أسواق التجزئة والبنوك والمسشتفيات، إضافة إلى المؤسسات الحكومية والعسكرية في أميركا، وأصبحت أداة مهمة في التطوير الإداري وقياس مستوى أداء العاملين في كبرى المؤسسات العالمية ، بينما ما تزال تجربة المتسوق الخفي في الأردن وحيدة ومقتصرة على دائرة الأراضي في شمال عمان.
المتسوق الخفي يعني الاستعانة أو استخدام مراقبين مشاركين مستقلين من خارج بيئة العمل الاعتيادية ، لقياس مستوى خدمة معينة تقدمها إحدى الشركات والتعرف على بعض الإجابات التي تعجز الوصول إليها بالطرق التقليدية ، وتصمم في بعض الأحيان لقياس مستوى ولاء العميل واختبار توجهاته المستقبلية نحو مؤسسات معينة ،وبالعموم نجد أن هذه الأداة تسخدم لتحديد أوجه القصور ونقاط الضعف في تقديم الخدمة ، وتحفيز المتسوق الخفي وربطه بأدوات مباشرة لقياس الأداء (التدريب والحوافز )؛ إضافة إلى تقييم القدرة التنافسية للخدمة المقدمة مقارنة بالمنافسين.
بالرغم من ظهور عدد من الصعوبات التطبيقية التي قللت من أهمية استخدام المتسوق الخفي والنتائج التي توصل إليها ، فهذا شأنه كبقية الظواهر التي تنتشر في البلد والتي تحتاج إلى إرادة حقيقية من قبل صانع القرار لتعظيم الاستفادة مما يتم التوصل إليه من ملاحظات ونتائج ، بل تبدو فرصة نجاحه في القطاع الخاص أكثير بكثير من القطاع العام ، كونه يمتلك الرغبة والفرصة في التطوير والتحديث المستمر . لذلك فإن تطوير البرامج القائمة على نتائج المتسوق الخفي مجرد تساؤل ، وعليه يبرز السؤال الذي يبحث عن جواب وهو " هل حدث هناك تطور في أداء دائرة الأراضي أو مستشفى البشير بعد عملية المتسوق الخفي؟ وهنا يمكن القول أنه من السهولة جمع البيانات عن أي ظاهرة أو مشكلة معينة في واحدة أو اكثر من المؤسسات، لكن الأهم هو كيفية إدخال هذه البيانات ضمن منظومة العمل وإجراءاتها، وإتخاذ القرارات الصحيحة والحاسمة وفقاً لذلك .
يقع على عاتق المتسوق الخفي جزء من مسؤولية نجاح تلك الأداة، وهو ليس فقط صانع أو جامع للبيانات ، ولكن هناك ضرورة للكيفية التي يتم اختياره وفقاً لها ، وتدريبه، ووضع الحوافز أمامه للقيام بعمله بشكل أفضل ، كما يجب أن يقوم بذلك وهو مستقل مهنياً ومالياً ، ودعمه بإجراءات تضمن الموضوعية والموثوقية في استخدام البيانات التي تم جمعها.
قد ينظر البعض إلى اعتبار المتسوق الخفي ممارسة لا أخلاقية أو من أشكال الخداع الذي يتعرض له الموظف للحصول على البيانات بطريقة ملتوية ، كما أن شعور الموظف بوجود المتسوق الخفي، قد يدفعه للقيام بزيادة مستوى الإجراءات والتدابير والمبالغة فيها ، على الرغم من دور تلك الأداة في تعزيز الرقاية الذاتية للموظف ، ومن هنا فإن خبرة المتسوق الخفي ومستوى تأهيله وتدريبه، والحوافز المقدمة له؛ عناصر مهمة لضمان الحصول على نتائج موثوقة، وكلما كان المتسوق الخفي أكثر غموضاً كانت نتائجه دقيقة أكثر .
المتسوق الخفي لا يمكن اقتصار تطبيقه على الإدارة الدنيا (التنفيذية) في الشركة، بل يمكن أن يكون وأداة لمراقبة إنتاجية المدراء في المستويات الإدارية العليا، مع مراعاة تخطيطها في الوقت المناسب ، واستخدام الوسائل المناسبة لقياس ذلك ، وتكرار الزيارات للتأكد من مطابقة الأداء، والتأكيد على أحقية نشر المعلومات التي توصل إليها. كما يجب الاستفادة من استخدام الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، والمقابلات عبر الهاتف، بجانب التوسع في تطبيقه في القطاعين العام والخاص، وبحسب ملاحظاتي يجب نشر استخدامه في قطاعات جديدة.
مجمل القول، أن استخدام عينة صغيرة من قبل الجمهور في المؤسسة قد لا يعطي تشخيصا دقيقا لواقع الخدمة المقدمة، كما أن الشركات والمؤسسات الحكومية في البلد بما فيها من إدارات وموظفين ليست مثالية إلى الحد الذي يصعب اكتشاف مشاكله، كونها هيكل مصغر للمجتمع الذي نعيشه ومن غير الممكن التعويل على هذا الواقع في الوصول إلى مستوى مرتفع من التوقعات، فدوافع التطوير والتحديث واسعة وهي فرص غير مستثمرة من قبل صناع القرار في البلد ، وهناك الكثير من الأخطاء الجسيمة الهيكيلة والإجرائية يمكن رؤيتها وإدراكها بالعين المجردة دون الحاجة إلى متسوق خفي، ووضوحها يتطلب وجود من يعلق جرس الإصلاح فقط ، وعليه يجب أن لا يكون مبالغة في توقع النتائج التي سيحصل عليها المتسوق الخفي.