الانطلاق نحو جامعات بحثية: عمان العربية انموذجاً
أ.د عدنان الجادري
11-07-2020 12:16 PM
إن مايشهده عصرنا الحاضر ونحن في العقد الثاني من الألفية الثالثة من تنوع في مظاهر التقدم وايجابياته وما يرافقها في ذلك من علل وسلبيات كنتيجة مباشرة للتغير السريع الذي لم يعرف التاريخ له مثيلا، مما فرض هذا الواقع على المؤسسات بكافة الرسمية والمجتعية وبخاصة تلك المسؤولة عن أحداث التنمية الشاملة قراءة المتغيرات والمسستجدات بشكل موضوعي ومنهجي واختيار السبل الكفيلة للاستجابة والتوافق مع العالم الجديد.
وتأتي الجامعات في مقدمة هذه المؤسسات من حيث اهميتها ودورها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتبوؤها المكانه الريادية الفاعلة في هذه المضمار وذلك لانها تمتلك الامكانات العلمية والبشرية والفنية بدرجة عالية لأداء مهامها وخصوصاً فيما يتعلق بإعداد العلماء و الكوادر البشرية القادرة على ادارة وقيادة المجتمع في كافة مجالاته وأنشطته . والجامعات في كل العهود التي مرت بها البشرية رمزاً لنهضة الأمم وعنواناً لعظمتها ورقيها , و ضرورة اجتماعية وحضارية تمليها متطلبات العصر بوصفها الكيان الذي يحتضن البيئة الثقافية بأبعادها الفكرية والعلمية والتكنولوجية وتمثل عقل المجتمع وضميره الأنساني في مواجهة التحديات والتغيرات على الصعيد الحضاري والفكري وعين المجتمع في رؤيته وتطلعاته نحو المستقبل استلهاماً من تراثه وشخصيته الحضارية . والجامعة بمفهومها المعاصر هي مصنع المعرفة وليست ترفاً ثقافياً واصبحت خياراً استراتيجيا في اطارمنظومة استثمار وتنمية الموارد البشرية لمواكبة التطور والتقدم .
وليس هناك ادنى شك أن الجامعات في بداية نشأتها ركزت وظيفتها الرئيسه على التعليم وتقديم المعرفة , الا إن البحث العلمي بات يشكل وظيفة أساسية من وظائف الجامعه ويعود ذلك تحديداً الى منتصف القرن التاسع عشر فقد تحولت وظيفتها من التركيز على التعليم وتقديم المعرفة فحسب إلى وظيفة البحث العلمي كونه يمثل الأداة الرئيسة والطاقة المحركة لإنتاج وتطوير المعرفة. ومن الملاحظ أنه بالرغم من قدم تاسيس بعض الجامعات المرموقة مثل جامعة هارفرد التي تاسست عام 1636 و جامعة ييل التي تاسست عام 1701 وجامعة برنستون وجامعة كولومبيا وجامعة بنسلفانيا التي تاسست في النصف الثاني من القرن الثامن عشر لم تكن بداياتها جامعات بحثية ولكنها اتجهت لان تكون جامعات بحثية في حقبة لاحقة . ولكن المرحلة الحاسمة التي احدثت نقلة نوعية في اهداف ونشاطات الجامعات والأنطلاق نحو مؤسسة الجامعات البحثية بدأت عقب تاسيس جامعة ( جونز هوبكنز ) عام 1876 التي ارست دعائم الانطلاق لأن تصبح الولايات المتحدة الامريكية كقوه عظمى ...وذلك لانها نهجت نمطاً جديدأً من التوجهات التي تركز على البحث العلمي والانتاج المعرفي وتطوير الصناعة وتعظيم العائد الأقتصادي وأسست لجيل جديد من الجامعات ا لذي يطلق عليه جيل الجامعات البحثية.
وتجدر الاشارة الى ان أولى الدول التي تبنت نهج وفكرة الجامعات البحثية في العالم هي ألمانيا وتبعتها المملكة المتحدة ثم تبنتها الجامعات الامريكية استناداً الى النموذج الالماني. و كان لقادة الجامعات امثال بنيامين فرانكلين في جامعة بنسلفانيا ورجل الاعمال جونز هوبكنز الذي اسس اول جامعة بحثية ودانيال جيلمان اول رئيس لجامعة جونز هوبكنز هم اول من قادوا الجامعات البحثية في امريكا .
ولكن الفضل الأكبر يعود لجامعة جونزهوبكنز كأول جامعة بحثية تهتم بالبحث العلمي واخذت نموذجها من ارقى الجامعات الألمانية (جامعة برلين وجامعة جوتنجن ) في النصف الاول من القرن العشرين . وبعد ذلك اخذت الجامعات الامريكية التوسع بتبني التوجهات البحثية في حين تراجعت الجامعات الالمانية في ذلك واتسعت الفجوة بين الدولتين الى ان احتلت امريكا المركز الاولى في تصنيف الجامعات العالمية ومكانة متميزة بين الجامعات البحثية في العالم . وان الرؤية التي استندت عليها الجامعات البحثية اعطاء اهمية قصوى للبحث العلمي وجعلته من أولويات اهتمامها كونه من أهم مصادر التمويل الخارجي لها وأطلق على هذا التحول الجديد بالثورة الأكاديمية في امريكا وذلك ايماناً بالدور الذي يؤديه البحث العلمي في عملية التنمية الاقتصادية للبلاد. ولهذا حرصت الدول التي تتبنى هذا النهج في وقتنا المعاصر في البحث عن افضل صيغ التنسيق والتعاون بين البحث العلمي في الجامعات والمؤسسات الأقصادية والإنتاجية وذلك من خلال إنشاء المراكز البحثية المشتركة لتحقيق التفاعل الحيوي بين أساتذة الجامعة ورجال الصناعة والأعمال في المجتمع . وعموماَ يعكس هذا النهج حرص الجامعات على أداء وظيفتها البحثية الى جنب وظيفتها التعليميه لأهميتها في تقدم المجتمع وتنميته واسهامها في زيادة موارد الدخل للجامعات وذلك في ضوء ما تحصل عليه من دعم وتمويل مادي مقابل ما تقوم به من مشاريع بحثية للمؤسسات وقطاعات المجتمع. .
ويذكر بهذا الصدد عالم الاجتماع جوناثان كول في كتابه جامعات عظيمة ( Great Universities) عن قصة الجامعات البحثية الامريكية وكيف تحولت اهدافها من التعليم الى انتاج المعرفة والتركيز على اعداد جيل من العلماء وليس حشود من الخريجين . وهذه الرؤية قد تخالف الاعتقاد السائد في كثير من جامعات دول العالم التي تنظر لمهمة الجامعات بالدرجة الأساس هو نقل المعرفة وتواردها من جيل الى جيل آخر واعداد الخريجين لتلبية احتياجات سوق العمل من الأيدي العاملة , ويتناسون قادة تلك الجامعات عمق العلاقة التفاعلية والمتبادلة بين التعليم والبحث العلمي واستحالة الفصل بينهما. ولهذا اصبح الرأي السائد ان تستمر الجامعات الرصينة في اكتشاف انواع جديدة من المعرفة وتنمية انماط تفكير متنوعة ومختلفة . وبناءً على هذا االتصور اخذت الجامعات العريقة تتنافس وتتسابق في النهوض العلمي الذي يعد مدخلاً لارساء قواعد النهوض الاقتصادي والحضاري التي باتت تستثمرها الدول لتصبح قوى مؤئرة ومهيمنة على اقتصاديات الدول الضعيفة في العالم .
وجامعة عمان العربية التي تأسست عام 1999 م تعد واحدة من مؤسسات التعليم العالي في الاردن الذي انبثقت من ارضه الحضارة مطرزة بالعلم والفكر والأبداع ونبراساً يملئ الارض . وتشكل كياناً فكرياً حقيقياً يستطيع المساهمة في صياغة المستقبل لابناء الأمة في ضوء حاجات المجتمع ومتطلبات سوق العمل محلياً واقليمياً وعربياً .
أن جامعة عمان العربية تؤدي رسالتها وتمارس وظائفها وتحقق اهدافها وفق أطار فلسفي قائم على ثوابت وقيم ومعايير الجامعة في مفهومها المعاصرة ووفق رؤية واضحة لاداء مهامها وتحقيق اهدافها بفاعلية وصدق ومسؤولية لبلوغ الريادة والتميز. وتسعى الجامعة وبشكل مستمر إلى المزاوجة بين التعليم والبحث العلمي وتطبيق معايير الجودة والاداء الاكاديمي والانفتاح على الجامعات العالمية المناظرة سعيا منها للحصول على التصنيف الدولي ، مسخرة في ذلك كافة الطاقات والامكانات المادية والبشرية وتوفير بيئة ذات جودة عالية في مجالي التعليم الاكاديمي والبحث العلمي المتخصص، وتنمية المهارات البحثية والخبرات للعاملين مما جعلها خلال فترة قياسية في مقدمة الجامعات الخاصة وفي مصاف الجامعات العالمية المرموقة.
وبالنسبة لوظيفتها المتعلقة بالبحث العلمي فقد تميزت جامعة عمان العربية لأن تكون جامعة بحثية منذ تأسيسها وذلك باسهامها في اعداد جيل متسلح بمهارات بحثية متقدمة من حملة شهادتي الماجستير وقبلها الدكتوراة ليتبوؤا مكانة اكاديمية وقيادية في مؤسسات السوق الأردني والعربي . ولأعضاء هيئة التدريس دور كبير ومؤثر في تفعيل حركة البحث العلمي وتطويره وذلك من خلال انتاج البحوث العلمية والتي وصلت الى بحث واكثر في المتوسط لكل عضو هيئة تدريس سنوياً على مستوى الجامعة وهذه النسبة تعد حالة متقدمة قياساً بالجامعات الوطنية والاقليمية والدولية . أضافة الى بحوث طلبة الماجستير التي يتم نشرها من قبلهم وبمشاركة مشرفيهم باعتبارها شرطًاً من متطلبات التخرج بعد اكمالهم مناقشة رسائلهم الجامعية وفقاً لتعليمات عمادة البحث العلمي والدراسات العليا المعمول بها في الجامعة .
وتجدر الاشارة الى ان سياسة البحث العلمي في الجامعة تنظم وتوجه وفق استرتيجية علمية دقيقة وواضحة الرؤى والمعالم يدركها اعضاء هيئة التدريس من خلال عقد الندوات والاجتماعات المتخصصة التي لا تألو الجامعة جهداً من عقدها . ناهيك عن ما تقدمه من دعم مادي ومعنوي للمشروعات البحثية التي يقدمها اعضاء هيئة التدريس وأسترشاداً برؤيتها ورسالتها واهدافها وشعارها المتمثل بالريادة والتميز ولغرض ارساء معالم نهضتها ومستقبلها الأكاديمي وتحديد موقعها على خارطة الجامعات البحثية العالمية.
وتتمثل استراتيجية البحث العلمي في الجامعة في الآتي :
1- اعداد خطط بحثية خاصة بكليات الجامعة تساهم نتائجها في حل مشكلات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والتربوية وتحقيق اهداف التنمية الوطنية .
2- تخصيص ميزانية سنوية لتمويل البحوث العلمية وصرفها وفق اولويات البحث العلمي لتخصصات الجامعة من خلال الفائدة التي يمكن تحقيقها لسوق العمل والمجتمع .
3- تأهيل ورفد مكتبة الجامعة والكليات باحدث المراجع والكتب والدوريات الورقية والألكترونية وتوفير الاجهزة والحواسيب لأغراض البحث العلمي .
4- بناء وتحسين قدرات اعضاء هيئة التدريس من خلال التدريب المستمر والتأهيل في مجال البحث العلمي وتصميماته المتنوعة من خلال عقد الدورات المتخصصة بالجامعة لمواكبة التطور التكنلوجي .
5- توفير الكوادر المساندة من ادارات وفنيين تساهم في تلبية متطلبات ودعم البحث العلمي.
6- التعاون مع الهيئات والمؤسسات العلمية والبحثية داخل المملكة وخارجها في مجال اجراء البحوث المشتركة وتبادل المعارف والخبرات لتنمية جيل من الباحثين المميزين في اجراء البحوث الاصيلة والتطبيقية ذات المستوى الرفيع.
7- انشاء قاعدة معلومات للبحوث الجارية والمنتهية في الجامعة وتبادل المعلومات والخبرات مع المؤسسات العلمية الاخرى محليا واقليميا ودوليا.
8 – تشجيع اعضاء هيئة التدريس على اشتراكهم في المؤتمرات العلمية والندوات محلياً واقليمياً ودولياً وتوفير انواع الدعم المادي لهم .
9 - تشجيع اعضاء هيئة التدريس على اشتراكهم في عضوية الجمعيات العلمية المحلية والعالمية ذات التخصصات المناظرة لتخصصاتهم للاستفادة من الامتيازات والفعاليات التي تؤديها هذه الجمعيات لاعضائها.
فطوبى لجامعة عمان العربية انطلاقتها كجامعة بحثية ولتاخذ موقعها المتميز على خارطة الجامعات البحثية العالمية المرموقة بمشيئة الله وحفظه .
والله من وراء القصد