مصطلح فضفاض يتداوله معظم الناس دونما اتّفاق على ماهيّته، بل إنّه قد يختلف من شخصٍ لآخر، وتنقسم الآراء في معظمها لتصبّ في شكلين رئيسيّين وفقاً لرغبة طالب التغيير، حكومة إمّا برلمانيّة أو منتخبة انتخاباً مباشراً.
وفي الحالتين، يقفز الجميع نحو المرحلة الثانية دون مراعاة المرحلة الأولى، الأساسيّة الأصليّة، وهي الأعداد للبرلمان المأمول.
ورغم أنّنا اليوم نسخّن للانتخابات التي يترقبها الجميع، إلّا أنّ بوادر التغيير غائبة تماماً عن المشهد التحضيريّ ولا تبشّر بأيّ تحوّلٍ على مستوى الذهنيّة التي ستصنع البرلمان المختلف.
فالحكومة السياسيّة لن تستطيع التعاطي والاشتباك بإيجابيّة منتجة مع برلمان غير مسيّس نظراً لاختلاف الأدوات بين الاثنتين وصعوبة الوصول إلى نقاط اتّفاقٍ مشتركة، فأدبيّات السياسة وحسن استعمال الأدوات الدستورية مسائل تحتاج احترافاً لدى الفريقين، وإلّا سيكون الوضع مشوّشاً مشوّهاً كما في مباراة رياضية يتقن فيها فريق أصول اللعبة وقوانينها وآخر لا يجيد شيئاً من ذلك.
وفي معظم تجارب الدول التي نجحت في تعزيز الممارسات الديمقراطية بما ينسجم مع الأصول الدستورية ويحقق مصالح الدولة كان تجويد العمل البرلماني هو ركن بناء النهج التغييريّ وكان الشعب هو العنصر الرئيس في ذلك، بينما فشلت كافة الأنظمة السياسية التي تسرعت في إسباغ الصفة الحزبية على برلماناتها وحكوماتها من حيث الشكل بعيداً عن المضمون الحقيقيّ، وكانت النتيجة تفرّدٌ في السُّلطة وتمزيق للوحدة الوطنية واستئثار فرقة بالمغانم دون غيرها على مدار عقود ليتلو ذلك إنقلابات، ثورات، أو نزعات انفصالية.
وربما أن العزوف عن الأحزاب نتيجة غياب البرامجية لديها هو السبب في الرغبة المتسرعة التي نشهدها محلّيّاً، لكن نتائج ذلك وخيمة بلا شكّ، فإمّا أن تنتج تجمعات ضعيفة فارغة المضمون أو تسيطر أغلبية هلاميّة لا تتمتع بالبرامجيّة بقدر استغلالها لضعف الفرقاء، أي الاكتفاء بتصعيد أفضل الأسوأ واحتكاره السلطة، وكلفة الرجوع عن ذلك غير قابلة للتخيّل في مجتمعنا.
وعليه، لا بدّ من الاعتراف ببعض الحقائق إذا رغبنا حقّاً بتغيير النمطية، فالأحزاب بحاجة لإعادة هيكلة، والتأسيس السياسيّ مطلوب في المراحل التعليمية المختلفة، وإفساح الطريق للكفاءات مطلوب بقوّة القانون بما لا يتعارض مع النصوص الدستورية.
قال تعالى (إن الله لا يغيّر ما يقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) صدق الله العظيم، ولن يتغير نهج طالما بقيت الهوية الفرعية والصفة الخدماتية تلازمان أسس الاختيار النهائيّ عند الصندوق.
أما إذا تجاوزنا ذلك، سيعرّف النهج الجديد نفسه تلقائياً، وسيكون محطّ إجماع لدى الأغلبية، وسيعود بالنفع على مسيرة الديمقراطية، وهذا يحتاج النية الصادقة، التدريب والتوعية، والتخطيط السليم، وانتخابات حرة نزيهة شفافة سياسيّاً وقانونيّاً.
(الرأي)