عروض وتنزيلات في سوق الدين
حسين الرواشدة
10-07-2020 12:02 AM
لا يوجد فاعل يتحرك في مشهدنا العام مثل « الدين «، لدرجة ان احدنا اصبح يخشى ان يتحول هذا الدين الى مشجب نعلق عليه كل شيء، ونستخدمه في كل شيء، ونتهمه احيانا، ونحتفي به احيانا اخرى دون ان نعرف متى ولماذا ؟
اخر ما يخطر الى بالي ان انحاز الى طوابير المطالبين بعزل الدين عن الحياة او حركة المجتمع، لكن لا يمكن ان اقبل هذا العبث الذي يطال الدين، سواء أصَدَر من المحسوبين عليه ( وما اكثرهم ) او من المتربصين به، او من الذين يوظفونه تبعا لمصالحهم، ومن المفارقات المدهشة ان « سوق « الدين «في هذه المرحلة الصعبة التي انفجر فيها عالمنا وتاريخنا حد الفوضى، بالبائعين والمشترين.
خذ مثلا، في « بازار « الانتخابات استدعينا الدين الى المنصات العامة، لم نسال انفسنا فيما اذا كان حضوره في « السياسة « بهذا الشكل لازما ام لا ؟، لكن امام طلب الزبائن وحماس الجمهور اكتشفنا ان ما لا تفعله السياسة بخطاباتها وبرامجها ووعودها يمكن للدين ان يقوم به وبجداره ؟.
المسألة مفهومة، ففي سياق « تعطل « عجلة السياسة كان لابد للدين ان يملأ الفراغ، لكن ذلك « الاحلال « والتقمص كان مضرا بالدين وبالسياسة معا، فالدين الذي كان مشكلة في حالة التطرف اصبح « حلا « مطلوبا في الترويج للانتخابات، والدين الذي اعدنا النظر في نصوصه المنشورة في مناهجنا الدراسية صار متاحا للتداول دون قيود او حدود، لدرجة ان الحابل اختلط بالنابل، فما عدنا نعرف اذا كنا حقا امام « دين « ام امام روايات تاريخية لا علاقة لها بالدين، امام شعارات وعروض انتخابية ام عروض دينية تدغدغ مشاعر الناخبين وتستدرج اصواتهم.
بانتقائية مفزعة نتعامل مع الدين، ونتعمد التجاهل عن مجرد طرح سؤال مهم وهو : ما وظيفة الدين في حياتنا، وما هي المجالات التي يفترض ان يتحرك فيها والاخرى المفترض ان لا يدخلها احتراما له وحفاظا على قدسيته.
ما لم نجب على هذا السؤال بصراحة، فاننا سنظل ندور في حلقة مفرغة، نستدعي الدين كيفما ومتى نشاء، ونوظفه حينما نريد، ونحاول تهذيب سياقاته ومفهوماته بلا ادنى تدقيق، وبالتالي فان اخشى ما اخشاه ان تدفعنا عملية التوظيف هذه الى مواجهة مع الدين ذاته، لا اتحدث هنا عن التوظيف السياسي الانتخابي للدين فقط، وانما عن مجالات اخرى يمكن ان يمتد اليها هذا التوظيف كالحقول الاجتماعية والطبية والاقتصادية وغيرها.
خطورة هذا التوظيف يمكن ان تفهم في سياق : الاول ان الذين يمارسون هذه (المهمة) يعتقدون بأنهم يتحدثون باسم الله، وبالتالي فهم (اوصياء) على غيرهم من البشر، وطهارتهم لا تسمح لهم بمشاركة الاخرين لهم في ادارة شؤون الناس، أما الثاني فهو أنهم مصرون على وضع (الدين) في مواجهة خصومهم، باعتبار الدين وسيلة للصراع وهدفا لهم أيضا، وباعتبار فهمهم للدين هو المسطرة التي يقاس عليها الدين نفسه، ويا ليت أن هذا الفهم صحيح، أو ان تجربة (استخدامه) ناجحة، بل على العكس تماما، مما يدفع من لا يعرف الدين حقا، بمقاصده وروحه وغاياته الى تحميل الدين مسؤولية الخلل، وعندها تحدث الطامة الكبرى وينفر من (يحب) الدين ويتمنى حضوره للبحث عن حلول اخرى خارج سياقات الدين، وربما ضده ايضا.
الدستور