أعرف سلفا أن العنوان أعلاه لن يستقطب قراء كثر, فالناس في هذا الزمان تستهويهم العناوين المثيرة تحديدا.
لا علينا , فالأخلاق هي " أس " الحياة الدنيا, متى كانت حسنة زانت حياة البشرية وإزدانت , ومتى كانت خلاف ذلك والعياذ بالله , ساءت الحياة وخالطها الخوف والنكد وسم الأبدان وضيق العيش , وصار الكوكب وبفعل البشر " غابة " الغلبة فيها لمن غلب , ليس بخلقه الرفيع وإنما بالسطوة والنفوذ المجافي للعدل وإحترام حقوق الآخرين في حياة حرة كريمة كما أراد لنا " الله " سبحانه وتعالى .
نعلم جميعنا مؤمنين وغير مؤمنين أن الحق بعث بالرسل داعين الناس إلى التخلق بالخلق الحسن " الدين المعاملة " وأن محمدا صلى الله عليه وسلم لخص غاية دعوته الكريمة بقوله " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " ,وهكذا فعل الرسل كافة عليهم من الله السلام , فمن كان خلوقا أحبه الله ومن كان شريرا فلا مكان له في محبة الله وخسر الدنيا والآخرة معا .
لو تخلق الكثرة من الناس بالخلق الحسن وفقا لما حضت عليه الأديان السماوية , بلاش الأديان , مراعاة لمواقف الناكرين لها أصلا ! , ولنقل على الأقل المواثيق والعهود الدولية وقد صارت في هذا الزمان مجرد حبر على ورق , لعشنا جميعا على هذا الكوكب بأمان وسلام وكفاية وإستقرار وراحة بال , ولما كان بيننا شقي ولا محروم .
مشكلة العالم أو مصيبته اليوم هي " لا أخلاق " , بل سلوكيات شاذة لا يجوز عمليا إطلاق صفة أخلاق عليها , فالفعل للقوة بمعانيها المجردة عسكريا إقتصاديا وماليا وموارد , ولذلك ينظر بعضهم بالقول أن السياسة بلا أخلاق ! , مع أن الأصل في السياسة أنها أخلاق تناصر الضعفاء والمظلومين وتساند الحق وتدعو إلى الفضيلة والتراحم بين البشر .
الخروج عن " سكة " الخلق الحسن القويم تعني شيوع الظلم والفساد والجريمة والإستئثار دونا عن خلق الله والهيمنة والقتل والتشريد والفقر والفاقة والعوز وسوى ذلك من مصائب نراها تعم عالمنا اليوم . فهل هذه هي الحياة التي أرادها لنا الله جل جلاله , لا بل هل هي حياة أصلا !!
لو قلصنا النظرة وعدنا إلى بلدنا العزيز الأردن فقط , لوقفنا أمام واقع عام مشحون بالإتهام والإشاعات والظلم وعشق الإثارة وأحيانا السباب والشتائم وإنحسار منسوب المجادلة بالحسنى وما يترتب على ذلك بالضرورة من ردات فعل متبادلة , وهو واقع كان يمكن أن يكون أفضل لو إحتكمنا جميعا إلى مباديء الخلق الكريم الحسن كما يحضنا الدين والرسل صلوات الله عليهم وسلامه جميعا .
كان آباؤنا وأجدادنا أيام زمان شيوخا في أخلاقهم وعلى إختلاف مواقعهم في القبيلة والعشيرة والعائلة في الحي والقرية والمدينة والبادية والمخيم وحيثما كان , ولذلك كانوا كبارا في كل موقف وأمر حتى في خصوماتهم البينية فلا سباب ولا شتيمة وإنما هي وبحق أخلاق الفرسان .
يعلم الله أن كل مشكلاتنا الأردنية قابلة للحل لو تكافلنا وتضامنا وجلسنا معا وبكل الصدق والتجرد والرجولة وتبادلنا الرأي الواضح الصريح في بناء طريقنا القويم نحو المستقبل , عوضا عن التلاوم والتنصل والإتهام والتشكيك وحسب .. فهذا كله غير مجد أبدا لا بل فيه المزيد من الخراب والدمار, تماما كمن يقفون أمام حريق يتساءلون عمن إفتعله ولماذا فعل ويتبادلون الإتهامات دون أن يبادر أحد أو جماعة منهم إلى إطفاء الحريق أولا ثم التلاوم والتشكيك بعد ذلك .
ختاما .. إنما الأمم الأخلاق ما بقيت , فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا . الله من وراء قصدي.