الأصمعي يعظ أثرياء العرب دولاً وأفراداً!
يوسف عبدالله محمود
08-07-2020 12:05 PM
حكاية أرويها كما قرأتها تعظ من يَستحسن الاتعاظ.
حكى الأصمعي وهو من العلماء العرب القدامى باللغة والشعر.
قال: "كنت أغشى رجلاً لكرمه، فأتيته بعد مدة فوجدته قد أغلق باب بيته. فأخذت رقعةً وكتبت فيها:
إذا كان الكريم له حجّاب فما فضل الكريم على اللئيم
وبعثت بها إليه .. ووقفت أنتظر الجواب فعادت وعلى ظهرها مكتوب:
إذا كان الكريم قليل مالٍ تستَّرَ بالحُجّاب عن الغريم
ومع الرقعة صُرَّة فيها خمسمائة دينار.
فقلت والله لأتحقّق أمير المؤمنين المأمون بهذه الحكاية.
فذهبت إليه وقصصت عليه القصة، ووضعت الرقعة والصرَّة بين يديه. فتأمّل الصرّة وقال:
"يا أصمعي هذه الصرّة بختم بيت المال".
فأحضر الرجل الذي دفعها إليك.
فقلت : الله الله يا أمير المؤمنين، الرجل قد أولاني خيراً. قال: لا بُدّ منه، فقلت: "غير مُروَّع" قال: غير مروّع. فعرّفته مكانه، فبعث إليه فحضر، فنظر إليه أمير المؤمنين ثم قال له:
ألست أنت الرجل الذي وقف بموكبنا بالأمس؟
قال: نعم وهي هذه يا أمير المؤمنين.
قال: وَلِمَ دفعتها للأصمعي على بيت واحد من الشعر؟
قال: استحييتُ من الله أن أردَّ قاصدي إلاّ كما رَدّني بالأمس أمير المؤمنين.
قال: للّه دَرُّك ما أكرم خلقك وأوفر مروءتك ثم أمر له بألف دينار.
ما أعمق دلالات هذه الحكاية التي أضعها بحبّ أمام أثرياء العرب والمسلمين دولاً وأفراداً.
يقول الشاعر:
وأكرم الناس ما بين الورى
رجل نُقضى على يده للناسِ حاجاتٌ
أتساءَل هنا: كم منّا على شاكلة الأصمعي؟
أثرياؤنا في ترفهم غارقون بينما فقراء من بني جلدتهم يتضورون جوعاً فلا يؤبه بهم.
متى تتوفر لنا مروءة كمروءة الأصمعي؟
المال مال الله، فلا تحجبوه عن فقير أو جائع.
يوم الحساب لن يشفع لكم مالكم الذي منعتوه عن الفقراء من بني قومكم.
ستذوقون العذاب جزاء إصراركم على حجب أموالكم عن الزكاة التي هي فرض عليكم من الله.
الأصمعي جاد بما هو بحاجة إليه لئلا يُقال إنه حجبَ رِفْدَه عن المحتاجين.
ما أجدرَ أثرياءَنا أن يجودوا ببعض مالهم لمن خانَهُ في يوم مطرُ، فأمسى فقيراً لا يكاد يملك قوت يومه. ما أجدرهم ألا يُفتنوا بالمال فيُنسيهم ذلك ذكر الله.