1
وُلد طلال بن عبدالله في 26 شباط عام 1909 في مكة، ونشأ في رعاية جده الشريف حسين، ووالده الملك عبدالله. امتاز بالصراحة في قوله وعمله، وكان شغوفاً بقراءة الكتب التاريخية والسِّيَر، ومولعاً بالفروسية والرماية والصيد. التحق بأكاديمية ساند هيرست البريطانية، وتخرج منها برتبة ملازم عام 1929.
تزوجّ الأمير طلال في 27 تشرين الثاني 1934 من الأميرة زين الشرف بنت الشريف جميل بن ناصر بن عليّ، ورزق منها الحسين ومحمد والحسن، والأميرة بسمة.
في عام 1942 التحق بكتيبة المشاة الثانية، وهي من كتائب الجيش العربي الأردني. وفي 17 آذار 1947 أصبح وليًا للعهد، وكان له شرف المشاركة في حرب 1948 في معارك الدفاع عن القدس.
2
على أثر اغتيال الملك عبد الله في 20 تموز 1951، بينما كان يهم بدخول المسجد الأقصى لأداء صلاة الجمعة، عقد مجلس الوزراء جلسة طارئة برئاسة عباس ميرزا وكيل رئيس الوزراء، وكان رئيس الوزراء حينها سمير الرفاعي في إجازة مع عائلته في لبنان. وفي مساء اليوم نفسه عقد رئيس الوزراء اجتماع عاجل للتشاور في الموقف، والخطوات التي يجب اتخاذها. حيث تقرر تعيين الأمير نايف بن عبد الله وصيا على العرش، بسبب غياب شقيقه الأكبر وولي العهد الأمير طلال، والذي كان حينها في سويسرا للعلاج. وفي 25 تموز 1951 قدم سمير الرفاعي استقالة حكومته إلى الأمير نايف، تبعا للتقاليد الدستورية، حيث كلف الوصي توفيق ابو الهدى بتأليف وزارة جديدة.
وفي 6 أيلول عاد الملك طلال من سويسرا بعد مصادقة مجلس الأمة على قرار مجلس الوزراء بمناداته ملكا دستوريا على المملكة. وفي اليوم نفسه أدى الملك طلال اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة، ونودي بالأمير حسين – الإبن الأكبر- وليا للعهد.
3
وابتهاجا بتسلم الملك طلال لسلطاته الدستورية، سارت الجموع تهتف بحياته، وأقيمت احتفالات ومهرجانات في جميع أنحاء المملكة، كما تم تعطيل الدوائر الرسمية بهذه المناسبة. وفي اليوم التالي أعلن عفو عام عن السجناء، وقدم أبو الهدى استقالة حكومته، وفي 8 أيلول 1951 كلف الملك طلال ابو الهدى بتشكيل الحكومة الجديدة.
وفي 28 تشرين الأول 1951 صدرت الإرادة الملكية بحل مجلس الأعيان، بعد التنسيب بذلك من حكومة أبو الهدى. وفي اليوم نفسه صدرت إرادة ملكية أخرى بتعيين أعضاء جدد للمجلس، الذي ترأسه ابراهيم هاشم. وافتتح الملك طلال الدورة العادية لمجلس الأمة في الأول من تشرين الثاني 1951.
4
استهل الملك طلال حكمه باتخاذ مجموعة من الخطوات على الصعيدين الداخلي والخارجي ؛فعلى الصعيد الخارجي أعلن عن الغاء مشروع سوريا الكبرى من البرنامج السياسي لحكومته. وبعد أسبوعين خول رئيس وزرائه بأن يصرح بأن الأردن لا يرغب في الوحدة مع العراق. كما عمل على تحسين علاقات الأردن مع السعودية ومصر، حيث قام بزيارة للرياض في 10 تشرين الثاني 1951. كما عمل على التقارب مع الدول العربية من خلال توقيعه اتفاقية التضامن العربي في 24 آذار 1952، التي اعتبرت كل اعتداء مسلح يقع على أية دولة منها اعتداء عليها جميعا.
كما أخذ يناوئ (جون باغوت جلوب) والضباط البريطانيين والسفير البريطاني، ورفض استقبال أي مسؤول بريطاني دون موعد مسبق، كما رفض عرضا بريطانيا بتقديم قرض بقيمة مليون باوند من (14) مليون كانت قد طلبتها الحكومة.
وفي الوقت ذاته بدأ سياسة التقرب من الولايات المتحدة الأمريكية اقتصاديا، بعد توقيع اتفاقية النقطة الرابعة معها. ويبدو في ذلك راغبا بإبعاد النفوذ البريطاني، بتعاونه مع دولة عظمى خرجت كأقوى دولة بعد الحرب العالمية الثانية. في وقت لم تكن معالم هيمنتها قد اتضحت بعد. كما أعلن عن نيته وضع حد للإرباك الذي تسببه الإعانة المالية البريطانية للأردن. وهكذا بدأت معالم سياسة الملك طلال تختلف عن سياسة والده، وهو أمر متوقع في ظل التغيرات الكبيرة التي أصابت المنطقة العربية والعالم بعد الحرب العالمية الثانية، ونكبة 1948، وقرار وحدة الضفتين 1950، وطريقة نظره الخاصة إلى الحكم والأحداث.
5-
وعلى المستوى الداخلي فقد أعلن في خطاب العرش بعد توليه سلطاته الدستورية عن عزمه على إصلاح أوضاع البلاد الداخلية. وفي هذا الإطار، تحققت عدة انجازات، كان من أبرزها:
1-إصدار دستور جديد للمملكة في الأول من كانون الثاني 1952، والذي يعتبر من الدسلتير المتقدمة، وشكل بداية مرحلة جديدة في الحياة الدستورية في الأردن.
2- صدور قانون ديوان المحاسبة.
3- اقرار حق التعليم المجاني.
4- تشكيل قوة خفر السواحل الأردنية.
5-الغاء جميع الرتب والألقاب في جميع المؤسسات والدوائر الرسمية، وأن تكون الرتب العسكرية من دون ألقاب، وأن يلقَّب جميع الأردنيين بلقب “السيد”.
6-
كان الملك طلال قبل توليه العرش مصاب بمرض عصبي كان يسبب له نوبات عصبية. وفي 15 أيار 1952 ساءت صحة الملك طلال، ورأى الأطباء ضرورة سفره إلى الخارج للعلاج، فسافر إلى باريس في 18 أيار 1952، وقبيل مغادرته وقع على إرادة ملكية بتشكيل هيئة نيابة لممارسة صلاحية الملك أثناء غيابه، تألفت من رئيس الوزراء توفيق ابو الهدى، ورئيس محلس الأعيان ابراهيم هاشم، ورئيس مجلس النواب عبد الله الكليب الشريدة.
وفي 3 حزيران 1952 دعت الحكومة مجلس الأمة إلى عقد جلسة سرية لبحث موضوع مرض الملك طلال، خاصة بعد أن أعلنت الحكومة أنه غير قادر على تولي سلطاته الدستورية، وفيها قرر تعيين هيئة نيابة على العرش برئاسة ابراهيم هاشم، وعضوية عبد الرحمن ارشيدات، وسليمان طوقان، نظرا لعدم اكمال الأمير حسين السن الدستورية.
7
وكانت الصحف المصرية والسورية واللبنانية تروج أن رئيس الحكومة وقائد الجيش (كلوب) دبرا مؤامرة ضد الملك طلال. وكان الرأي العام الأردني غير مقتنع بمرض الملك طلال، متأثرا بما تنشره الصحف في الخارج، من أن مرض الملك طلال ما هو إلا مكيدة بريطانية.
وفي 11 آب 1952، اجتمع مجلس الأمة وتمت قراءة الوثائق والتقارير الطبية في جلسة سرية. وكان بعض النواب يشكك في الأمر، فقرر المجلس تشكيل لجنة مؤلفة من ثلاثة أعيان وستة نواب، واستمعت اللجنة إلى أقوال رئيس الوزراء، وناقشت بعض الأطباء، وخرجت بقرار جماعي أن الملك لا يستطيع ممارسة شؤون الحكم، وتلي تقرير اللجنة، وبعد المداولة اتخذ مجلس الأمة قرارا بالإجماع بتنحية الملك طلال عن العرش، استنادا إلى المادة 28 / م. والتي نصت على :” إذا تعذر الحكم على من له ولاية الملك بسبب مرض عقلي فعلى مجلس الوزراء بعد التثبت من ذلك أن يدعو مجلس الأمة في الحال إلى الاجتماع، فإذا ثبت قيام ذلك المرض بصورة قاطعة قرر مجلس الأمة انهاء ولاية ملكه فتنتقل إلى صاحب الحق فيها من بعده وفق أحكام الدستور، وإذا كان عندئذ مجلس النواب منحلا أو انتهت مدته ولم يتم انتخاب المجلس الجديد، فيدعى إلى الاجتماع لهذا الغرض مجلس النواب السابق”.
8
وحول مرض الملك طلال، وما اكتنفه من شكوك، يقول ضافي الجمعاني في مذكراته، أنه ذهب وشاهر ابو شاحوت إلى عبد العزيز عصفور والذي كان ضابطا في سلاح المدفعية، ومرافقا للملك طلال، لسؤاله حول حقيقة مرض الملك طلال، وخاطبوه بالقول:" إننا نشعر أن الانكليز ينوون عزل الملك طلال، وهم يشيعون أخبارا حول حالته الصحية تمهيدا لذلك، وكان عبد العزيز صريحا ومباشرا وثقتنا بما يقول مطلقة، قال لنا: نعم (إن الملك طلال مريض).
وحول نظرته إلى بريطانيا، تقول الاميرة بديعة:" كان الملك طلال يكره الانجليز كرها شديدا، ويحملهم مسؤولية كل ما واجهه جدنا وأبناؤه من متاعب وخيانات، فضلا عن مساندتهم وتأييدهم لقيام "اسرائيل" في المنطقة، ووقوفهم إلى جانبها في حرب 1948 ضدنا".
وحول طبيعة العلاقة بين الملك طلال ووالده يشير الملك الحسين لذلك بقوله :" إن العلاقة بين والدي وجدي لم تكن جيدة، فقد كان الرجلان متباعدين من حيث النظرة إلى الحياة”.
أقام الملك طلال بعد تنحيته في أحد مستشفيات القاهرة في حلوان، وبقي قيد المعالجة، ثم انتقل إلى استانبول، حيث أودع في مستشفى. وفي 7 تموز 1972، انتقل إلى رحمة الله، ودفن في المقابر الملكية في رغدان.