الملك طلال .. قائد نضالي، ومعرفة واسعة، وادب ملكي جم
د.بكر خازر المجالي
07-07-2020 02:55 PM
مقالان في عدد واحد لمجلة المصور المصرية عام 1952،
الملك طلال طيب الله ثراه شخصية وطنية تمتلئ بروح المقاومة، عربي يرفض اية اشكال من الهيمنة الخارجية، وقصة حياته كانت فيها الاثارة مع بعض الخفايا، ولكنه ملك بحياة بسيطة محبا لشعبه، واسع المعرفة بروح نضالية ومعاداة شنيعة للصهيونية، كارها للاستعمار، رافضا لكل الشكليات وينبذ الالقاب والتزلف والنفاق المكشوف.
شخصية جلالة الملك طلال كانت تسير باتجاه بناء المجتمع المثالي الوطني، ولكن كانت مشكلته مع المرض الذي كان يعاني منه، وهذه حقيقة رغم ان البعض قد شكك بان المرض هو ادعاء وتلفيق لازاحة الملك عن العرش بسب مواقفه الصلبة من الانجليز، خاصة عدائيته للجنرال كلوب، الذي قيل انه ترك الاردن خلال فترة حكم الملك طلال وغادر الى ليبيا.
بين يدي نسخة اصلية من مجلة المصور الصادرة بتاريخ 26 حزيران 1952 العدد رقم: 1446، وتصدرت صورة الغلاف جلالة الملكة زين الشرف رحمها الله، وفي داخل العدد مقالين او مقابلتين: الاولى هي عنوان الغلاف بعنوان "الملكة زين كما عرفتها" بقلم: السيدة امينة السعيد ومع المقال صورة لسمو الامير محمد وسمو الاميرة بسمة مع شرح تحت الصورة يقول: "نجلا الملكة زين، لقد اثبتت جلالتها في اكثر من مناسبة انها نعم الام". اما المقال الثاني فهو بعنوان: قابلت الملك طلال "بقلم فكري اباظة وهو نفسه رئيس تحرير مجلة المصور. وفي المقال صورة شخصية للملك طلال وعليها اهداء بخط يد جلالته وتوقيعه يقول: اهدي بوافر الاكرام لسعادة فكري باشا اباظة، التوقيع، لوزان 18/4/952.
كانت المقابلة اثناء وجود جلالة الملك طلال في رحلته العلاجية الثانية في سويسرا وقبل حوالي اربعة اشهر من اعفاء جلالته دستوريا من العرش بسبب وضعه الصحي الحرج حينها. ووصف فكري اباظة الملك طلال بانه يتمتع "بأدب ملكي جم" وقال عنه ايضا: له اطلاع واسع وأمل بالله.. "كانت المقابلة في فندق بوريفاج، ويذكر فكري اباظة حين اقبل الملك طلال متهللا قابلني بادب جم وأجلسني قبل ان يجلس هو ثم طلب القهوة. وبعدها بدأ جلالته وكأنه يدير الحديث وبادره باسئلة شخصية عن اسرته، ومن بعد سأله عن اسباب هبوط سعر القطن في مصر وهبوط ايرادات الميزانية المصرية، وانتقل في حديثه الى الحالة الدولية واظهر تخوفه من ابعاد مشكلة الحرب الكورية.
يقول فكري اباظة كنتيجة لحديثه مع الملك طلال: "وخرجت من لدن جلالته وأنا مؤمن كل الايمان بأن حالته عادية بحتة.. وان اعصابه الهادئة والناعمة الرقيقية سليمة كل السلامة، وأن تفكيره كامل وحكمه على الاشياء صحيح." ويضيف رئيس تحرير المصور مستدركا ليقول: ان الملك طلال شخص اخر حين تصيبه نوبة المرض ويقول حرفيا في مقالته: "تحريت عن حالة جلالته الصحية الحقيقية.. في ريف دي برانجان حيث كان الامير طلال يستشفي في حياة والده.. ولا اريد ان اتعب قرائي باسماء من قابلت، ولا باشخاصهم. ولكن العلم أو الفن او الطب مع الاسف يقول "ان الملك مريض، وان حالة الصحو قد تكون صادقة وقد تكون خادعة، انه شخص آخر في حالات "النوبة" و"الازمة" ان مرض الشيزوفرينيا مرض قاس لعين، انه الصحو الكامل في فترات الصحو، والعاصفة الجامحة في فترات النوبة".
كان هناك اقناع للملك طلال بأن يستمر في العلاج فكان جلالته يقبل الأمر في فترات الصحو ويرفض في فترات النوبة، ولكنه لم يؤيد مطلقا من يقول" ان الانجليز يلعبون لعبة او يدبرون امرا، وان قصة تعديه على كلوب باشا غير صحيحة وان كلوب لا زال في الاردن وغير صحيح انه في ليبيا" وأوهام من يقول ان للعراق خطة او للاحزاب الاردنية خطة وان للجيران خطة.
اما في نفس العدد وفي مقالة امينة السعيد عن "الملكة زين كما عرفتها" اشارت الى ما ينسج من اخبار حول الوضع في الاردن اثناء ولاية الملك طلال وقالت: "كان خليقا بنا قبل المضي في هذه الكتابات التي ترضي طالبي التسلية على حساب كبرياء امة عربية تركزت كرامتها في شخصية مليكها سواء أكان مريضا أم غير مريض ان نتناول المحنة من ناحيتها الحق، فنعتبرها محنة الشرق الاوسط كله، ونعاملها بما تستحقه من كياستنا وتقديرنا واحترامنا، فليس الملك طلال عاهلا لدولة شقيقة تربطها بنا روابط اللغة والدين والجوار فحسب، انما هو قبل ذلك مواطن عربي صميم اخلص للعروبة من عقيدة راسخة، وكره الاستعمار كما كرهناه وكانت سيرته منذ فجر شبابه حتى الان صورة عامرة بحبه لبلادنا وايمانه بجامعتنا العربية، ورغبته الاكيدة في تحقيق مبادئ التعاون والحرية والاخاء، التي كنا وما زلنا نتمنى ان تسود سماء تلك الحلقة الصغيرة المتنافرة المعروفة باسم العالم العربي"
وتضيف في مقالتها لتقول: "ليس سرا ان هذه الانجاهات العربية الصميمة قد جلبت على "طلال" الاما كثيرة احتملها صابرا منذ أن شب عن الطوق حتى الان ،وليس مستبعدا ان يكون القدر لا يزال يدخر للعاهل العربي الاما غير التي احتملها.
امينة السعيد كتبت مقالتها عن معرفة قريبة من الملك زين الشرف كما اشارت بقولها : اسعدني الحظ بمعرفتها عن قرب ،واتاح لي دراسة اخلاقها منذ سنوات ليست بالقليلة ،فامتلأ قلبي باحترامها والاعجاب بشخصيتها الملكية بطبعها وخلقها وتفانيها في عروبتها وترفعها في وطنيتها مما جعلها عن جدارة واستحقاق " زين الشرف ،زينة نساء العرب " وأشارت الى انها قد ورثت المجد من والدها الشريف جميل بن ناصر شقيق الملكة مصباح ام الملك طلال وانها قضت عشر سنوات في الاسكندرية تدرس في مدرسة " الدام دي سيون " وانها تركت اثرا طيبا في نفوس كل زميلاتها وكل المدرسين . وتتذكر امينة السعيد موقفها حين نشبت الثورة الفلسطينية عام 1936 حين طلب الملك طلال ان يغادر الى فلسطين للالتحاق في الثورة مناضلا هناك ، وقالت الملكة زين انها تنظر الى رغبات "طلال " على انها اوامر ،وجاء في المقال اشارة الى متابعة الملكة زين لاولادها ،فهي قد رافقت الملك الحسين "طيب الله ثراه " حين جاء الى الاسكندرية للدراسة في كلية فكتوريا ،وكيف انها كانت تتدخل حتى في اختيار مكان نومه وقد غيرته عدة مرات ،
هاتان المقالتان عن الملك طلال والملكة زين الشرف في عام 1952 واثناء فترة حرجة تتعلق بالعرش الاردني ،مع دقة الاوضاع السياسية وعدم هدوء الجبهة الاردنية التي كانت مشتعلة ، تشيران الى مؤسسية الدولة الاردنية ووعي الشعب الاردني المبكر وادراكه لمصالحه ومنع اية محاولات العبث بمنظومته رغم قوة العقائديات التي لا ترحم من هو خارجها .
تمر ذكرى وفاة الملك طلال طيب الله ثراه الثامنة والاربعين الذي كان عهده القصير مليئا بالانجازات، ابرزها صدور الدستور الاردني ،وتأسيس دوائر خدمية عديدة وتشكيل العديد من كتائب الجيش العربي ،تمر الذكرى التي تشكل حقبة تاريخية مهمة في مسار الدولة الاردنية في كل محطاتها ،فيما بعد كانت حقبة البناء والانجاز حقبة الملك الحسين طيب الله ثراه ،لندخل في حقبة العلم والكنولوجيا وعالم المعرفة الرقمية والتطور المتسارع في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه .
الرحمة على روح المغفور له جلالة الملك طلال والملكة زين الشرف ، والرحمة على روح الملك الباني الحسين بن طلال طيب الله ثراه ، وسيبقى الاردن منيعا قويا بشعبه وجيشه واجهزته الامنية .