هل سيظل الشرق الأوسط أسيراً لنظرية «صعود الغرب»؟
حسن اسميك
06-07-2020 05:25 PM
في مقدمة كتابه: «صعودُ أهل النفوذ- رؤيةٌ جديدةٌ لتاريخ العالم الحديث» ذكر الكاتب والمؤرخ الأمريكي «بيتر جوان» صـ23 حكمةً تقليديةً معروفةً عند المؤرخين، وهي: (الأزمةُ تجبر المجتمع على أن يعيد التفكير في أحواله وما درج عليه).
ذكر ذلك في معرض حديثه عن الترويج للمنهج الجديد الذي اختاره في كتابةِ التاريخ الحديث، وهو: «صعودُ أهل النفوذ»، كبديلٍ عن المنهج السائد المتبع عند المؤرخين «صعود الغرب»، فماذا يعني «صعود الغرب»؟
إنها نظريةٌ تتمحور في كتابة التاريخ الحديث والمعاصر حول «المركزية الأوروبية» التي تخلق غرباً صاعداً، وشرقاً راكداً، وشعوباً بلا تاريخ، منهجٌ يساعد على تهميش معظم شعوب العالم، بحيث تصبح «بلدان الشرق الأوسط» ليست شرقية، وبحيث يكون «الأفارقة» شعوباً بلا تاريخ، وبحيث تكون المكانة كلها للتاريخ الغربي في العصر الحديث والمعاصر.
وبدايةً أنوِّه أنَّ التاريخ المعاصر -وفقاً للمؤلف- يبدأ من عام /1850/م وحتى الوقت الحاضر، وأنَّ المؤلف ينتقد هذا المنهج «صعود الغرب» في الرواية التاريخية الحديثة، والتي تقول بأنَّ النُّخَبَ الغربية هي التي صنعَتْ التاريخ الحديث، ومعظمُ الناسِ لم يساهموا في تاريخ هذه الحقبة، وأنَّ هذا مبالغةٌ في أهمية كلِّ ما هو غربيٌّ على حساب العالم الثالث، ويتساءلُ: هل علينا أن نُعلِّم الطلبة الغربيين في مناهجهم الدراسية مثل هذا النفوذ وتلك الأهمية للغرب؟
وتمنَّى المؤلفُ أن يكون القُرَّاءُ راغبين في معرفة كيفية التعامل مع الحملة الدعائية والإعلامية في كل الوسائل المتاحة التي تُسوِّق لهذه النظرية، وكيف أنَّ مثل هذا المنهج «صعود الغرب» يعود بنا إلى الاتجاه الاستشراقي «صراع الحضارات»؛ ويرسِّخُهُ في العقول على كافة الصُّعُد والاتجاهات، سواءٌ في المقررات الدراسية، أو عند المؤرخين، أو صُنَّاع القرار، وأنَّ المنهج الأقوى والأفضل -وهو الغرب- سوف يقضي ببساطة على المنهج الأضعف وفقاً لـ «توماس كوهين».
إنَّ هذه النَّزعة الموجودة عند الغربيين على مستوى كثيرٍ من المؤرخين والمفكرين -وليست الكلّ- تدعونا للتفكير طويلاً حول الدَّوْر الذي يمكن أن تلعبه منطقة الشرق الأوسط، وكيف يمكن أن تتجاوز أزماتها، وتؤسِّس لشرق أوسط قوي وجديد له مكانُتُه بين التكتُّلات العالمية، دعوْتُ له في مقالي الذي نشر بتاريخ 17/6/2020/ تحت عنوان: «هل يمكن قيام مشروع مارشال عربيّ؟»، وخصوصاً أنَّ الشرق الأوسط يعاني من كثيرٍ من الأزمات، ولذلك صَدَّرْتُ المقال بالحكمة التاريخية: (الأزمةُ تجبر المجتمع على أن يعيد التفكير في أحواله وما درج عليه).
وخصوصاً أنَّ المؤلف يرى أنه لم يعد هناك مكان في التاريخ المعاصر لهذه النظرية «صعود الغرب» وإنْ كانت موجودةً في كثيرٍ من مفاصل الفكر الغربي، وأنَّ النظرية التي يجب أن تحلَّ مكانَها هي «منهج أهل النفوذ»، وهو منهجٌ يعني -وفقاً للمؤلف- العناصر القويةُ ومَنْ يتبعها في عملية تكتُّلٍ ذاتِ أبعادٍ اجتماعية وسياسية واقتصادية هي التي تقود العالم اليوم.
وتعرَّضَ للدول الأسيوية الصاعدة كالصين والهند واليابان وغيرها وكيف استطاعت أن تقوم بنهضةٍ كبيرة وقفزةٍ نوعيةٍ على كافة الصُّعُد بسبب الاستثمار الصحيح للنفوذ الاقتصادي والاجتماعي، وتخطِّي كثير من العقبات السياسية عبر التغيير في علاقاتها الثنائية والدبلوماسية مع مراكز القوى العالمية؛ لأنها شعرَتْ أنه لا بُدَّ من التغيير لتجاوز الأزمات التي تحيط بها من كلّ جانب، وعملَتْ جاهدةً لذلك، واستطاعت أن تؤسِّس قوةً عالميةً لا يستهان بها في الوقت المعاصر.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل يملكُ الشرقُ الأوسطُ أدواتِ «النفوذ والقوة» للانطلاق نحو هذا التغيير؟ هل يستطيع أن يتجاوز منهج «صعود الغرب» ليؤسِّس قوةً جديدةً مبنية على «صعود القوة والنفوذ»؟.
لا شكَّ أنَّ الشرق الأوسط يملك طاقاتٍ شابَّةً، وهي تمثِّل دفع عجلة الإنتاج والتطوّر، ويملك كذلك موارد الطاقة العالمية من البترول والغاز، ويملك تاريخاً وحضارةً يمكن أن تشكِّل دافعاً قوياً للتغيير، ولكنَّ المشكلةَ تكمُنُ في اتخاذ القرار، ووضعِ الخطط الاستراتيجية لتنفيذه، والاعتدادِ بالنفس الذي يشكِّلُ الحافز الأقوى، وتركِ الخلافات التي تَفُتُّ في عضد شعوبه وتجاوزها إلى مشروع تنموي نهضوي قويٍّ يكون له مكانته بين القوى العالمية.
وإنني أرى في هذا التوقيت بالذات فرصةً ذهبيةً لا ينبغي إضاعتها، فالعالمُ الآن يعيدُ تشكيل مراكز القوة والنفوذ، ويسعى إلى نظامٍ جديدٍ من التكتلات وإعادة الحسابات كالتصريح الذي صدر عن المستشارة الألمانية «أنغيلا ميركل»، والذي دعت فيه الدول الأوروبية للتفكير مليَّاً في مكانتها العالمية وتعديل أولوياتها في حال قررت الولاياتُ المتحدة التخلي عن لعب دور «القائد للعالم».
ولا يخفى السعيُ الحثيثُ من «الصين» و«روسيا» و«الهند» وغيرها لإيجاد صيغةٍ جديدةٍ تحكُمُ العالم، وتتصرَّفُ في مُقدَّراته.
والسؤالُ: إذا كانت دولُ العالم أجمع تشعر بالحاجة إلى التغيير في النظام العالمي، وتبحث عن دورٍ رياديٍّ لها فيه فأين الشرقُ الأوسط من التفكير في الحاجة الملحَّةِ إلى هذا التغيير؟ هل سنبكي على أطلال الماضي التَّلِيد؟ ونعيدُ أشعار عنترة بن شدَّاد والشعراء الصعاليك كعمرو بن الورد والشَّنْفرى على مسامع شبابنا الذين يبحثون عن مستقبلٍ لهم يعيشون فيه في سكينةٍ وطمأنينةٍ، ويتخلصون فيه من الخوف من المجهول؟! هل سيبقى التفكيرُ بالطائفية المقيتة هو الذي يسيطر على عقولنا؟ هل سننتشي بذكر مآثر الأمويين والعباسيين والدولةِ القوية التي كانت في غابر الأزمان ونكتفي بذلك لنصحو كلَّ صباحٍ على وَقْع مشاكلنا وأزماتنا وشاشات الفضائيات التي تحملُ في كل يومٍ أخباراً عن القتل والعنف والإرهاب الذي لا يكاد موجوداً في كل دول العالم إلا في الشرق الأوسط؟.
والسؤال الأهمُّ: هل سنبقى أسرى لمنهج «صعود الغرب» ونترك التفكير: كيف يمكن لنا أن نستثمر مكامن «القوة والنفوذ» لنرتقي إلى مكانةٍ عالميةٍ في ظلّ المتغيرات المعاصرة؟!!.
المصري اليوم.