في الأمس استوقفني محطتان مهمتان, الأولى زيارة جلالة الملك الى احدى المؤسسات الصناعية الانتاجية المتميزة في المملكة والتي مثلت قصة نجاح مشهود لها على صعيد الوطن وخارجه . وأطلاع جلالته على مستوى التطور فيها وما حققته من نجاح ما كان ليتحقق لولا الجهد الصادق والموصول لأصحابها وكذلك الأدارة الواعية والرشيدة لها. وكذلك توجيه جلالة الملك للمعنيين في مجال الصناعة عموما" و قطاعات التصنيع الغذائي والدوائي والمستلزمات الطبية بشكل خاص والتوسع فيهما بما يحقق تميزا" على المستوى الاقليمي والدولي طالما اننا في الأردن لدينا فرص عديدة لتحقيق ذلك وبما يؤدي الى تمتين القاعدة الأقتصادية لبلدنا, منوها" جلالته ودون مواربة الى ضرورة الموائمة بين الاطر القانونية والتشريعية ذات العلاقة مع متطلبات وجهود التوسع والتطوير في تلك الصناعات والقطاع الصناعي عموما".
المحطة الثانية هي القرار الذي اتخذته الحكومة ,وتشكر عليه, بدمج ثلاث هيئات وهي الخط الحديدي الحجازي و هيئة تنظيم قطاع النقل وهيئة النقل البحري في هيئة واحدة, مما يعني بالضرورة توفير في النفقات الادارية والتشغيلية التي تستنزفها تلك الهيئات واداراتها وهياكلها التنظيمية وكذلك السيطرة على تعارض و/ أو تناقض سياساتها وقراراتها وما يترتب على ذلك من تراجع في اداءها للمهام المناطة بها اضف الى ذلك ترشيق هياكلها التنظيمية والوظيفية والاجرائية.
تلك المحطتان استدعت الى الذاكرة حالتين لا يمكن ان يغيبا عن البال,
احداهما عندما تحدث جلالة الملك قبل أقل من عام تقريبا", لمجموعة من طلبة جامعيين عن واقع القطاع العام بايجاز شديد معبرا" بجملة من كلمتين انه ,وهنا الحديث لجلالته, غير مرتاح لعمل بعض المؤسسات العامة وقبل ذلك بيوم واحد فاجأ جلالته اجتماعا" لرؤساء البلديات متوجها" اليهم بحديث نابع من معرفة عميقة بواقع تلك البلديات والعمل البلدي طالبا" من رؤساء البلديات في المملكة الى ضرورة العمل على تحسين مستويات الاداء للبلديات والقيام بانجازات في الميدان يلمسها المواطنين وتنعكس ايجابا" على مصالحهم الحياتية.
المحور الاساسي في حديث جلالة الملك امام رؤساء البلديات تمثل في التأكيد على الدور الحيوي للبلديات والمتمثل بالدور التنموي لها ومساهمتها الاساسية في احداث التنمية الحقيقية من خلال قيامها بالأدوار والاختصاصات المناطة بها بما في ذلك مساهمتها أي البلديات في اقامة المشاريع وتوفير البنى التحتية اللازمة لقيام العديد من الأنشطة الأقتصادية والتي من المؤكد انها ستساهم بشكل مؤكد في توفير الاف فرص التشغيل وبالتالي تحقيق نهضة في الاقتصادات المحلية والتي هي اساس النشاط الاقتصادي الكلي للدولة والذي سيؤدي بالتالي الى الانتقال الحتمي من الدور التقليدي للبلديات الى ادوار تنموية حقيقية تحقق قيمة حقيقية مضافة للدورة الاقتصادية الكلية.
في الحديث الملكي دعوة صريحة (للجميع) للعمل بشجاعة من أجل خدمة مصالح المواطنين. وفي حديث جلالته كلمات تختصر قواعد العمل العام وتمثل مرتكزات ومنطلقات للعمل العام: الجميع هنا كل من يعمل بالقطاع العام وفي مقدمتهم متخذي القرار, والجميع في الحديث الملكي, لا استثناء فيه, رؤساء بلديات ورؤساء مجالس محافظات ووزراء ومدراء عامين واعضاء السلطة التشريعية, والجميع في الاشارة الملكية تعني ضرورة العمل بروح الفريق وضرورة التعاون والتنسيق والتكامل في كل القرارات بما في ذلك السياسات والخطط والاجراءات التي تهدف خدمة مصالح المواطنين وتحقيق المصالح العليا للدولة. اما الشجاعة التي ربطها جلالته بالعمل, فهي القدرة على اتخاذ القرار الصحيح في الوقت المناسب وفي السياق الصحيح وكذلك الجرأة على التنفيذ بما يحقق المصلحة العامة وتقديم المصلحة العليا للمواطن والدولة على أي مصلحة فردية او ذاتية ضيقة, والشجاعة هنا تقتضي مواجهة المشكلات والبحث عن حلول لها والسعي دوما" للتحسين والتطوير والاستغلال الأمثل للموارد المتاحة ووضع استراتيجيات تساعد في احداث التنمية المحلية المستدامة.
هنا استحضرني حديث دولة الدكتور عمر الرزاز في حفل تكريم للفائزين بجائزة الموظف الحكومي المثالي قبل عدة اشهر,حيث كان حديثا" مختصرا" لخّص فيه قواعد العمل التي تحكم ويرتكز عليها مفهومي الوظيفة العامة والموظف العام. فالوظيفة العامة هي خدمة عامة أما الموظف العام فهو خادم عام بمعنى الجاهزية والاستعداد للقيام بواجبات ومهام الوظيفة التي عيّن فيها بكفاءة وعدالة ونزاهة وأقتدار.
وشدد دولته على ان قيام المؤسسات العامة وكذلك الموظف العام بتقدبم الخدمة للمواطن يجب ان لا يكون بمنّة و بمزاجية وانما أداء لواجب وظيفي يتطلب الامانة والموضوعية وتغليب للمصلحة العامة فوق أي اعتبار.
القاعدة الثانية التي أشار اليها دولة الرئيس هي ضرورة التميز في تقديم الخدمة لمتلقيها وهنا لا بد من التنويه ان الخدمة المتميزة تعني بالضرورة الدقة, السرعة, والكفاءة والفعالية وهذا بالتاكيد يتضمن القدرة على تقديم الخدمة المطلوبة بكلفة معقولة.