مطالبة البعض بإلغاء معاهدة السلام ..
د. هايل ودعان الدعجة
05-07-2020 11:49 AM
يكثر الحديث في هذه الأيام عن الخيارات الأردنية في التعامل مع عملية ضم المستوطنات وغور الأردن إلى السيادة الاسرائيلية، والتي منها بطبيعة الحال خيار إلغاء معاهدة السلام مع الكيان الإسرائيلي.. الذي يطرحه البعض.. ولأننا كأردنيين لسنا بالأصل مع توقيع معاهدات أو إقامة علاقات مع الكيان الاسرائيلي الذي احتل الأرض وقتل وشرد ونكل بالشعب الفلسطيني .. إلا أن منطق الأمور يحتم علينا التعاطي مع المسألة بشيء من المسؤولية وأن نخضعها إلى عملية تقييم ومراجعة موضوعية نراعي بها التحديات والظروف المحيطة التي حتمت على بلدنا الإقدام على اتخاذ مثل هذه الخطوة .. لا ان نذهب في مطالبنا من مطبخ القرار الاردني حد تجاهل هذه التحديات، وبشكل يتجاوز احيانا حدود المنطق، ويتعدى امكانات بلدنا وطاقاته وقدراته، والدفع به نحو الانتحار ربما، وكأنه يعيش وحيدا ومنعزلا عن محيطه، أو أن نتجاهل الدور الذي لعبته سياسته ودبلوماسيته التي يقودها جلالة الملك في تجنيبه الدخول في متاهات وازمات وفوضى، كانت ربما ستؤثر على وجوده ومصيره، وسط هذه البيئة الاقليمية والعربية المضطربة التي تعاني من حالة من عدم الاستقرار.
ولأن الأردن الذي يسير وحيدا في المنطقة في مواجهة تحدي الضم، يعي أن هذه المواجهة تقتضي منه التوظيف الحكيم للأدوات التي يمتلكها، وللأجواء الدولية المحيطة التي يرى أنها في صالح الجانب الفلسطيني، ممثلة في القرارات والمرجعيات الدولية، ورفض المجتمع الدولي لعملية الضم باعتبار الاراضي الفلسطينية 1967 أراض محتلة، ولا سيادة إسرائيلية عليها.. فقد كان رهانه على توظيف دبلوماسيته الناجحة التى يقودها جلالة الملك في تفعيل هذه الاجواء والأدوات العالمية وتحريكها من اجل نصرة القضية الفلسطينية ومواجهة عملية الضم عبر استمالته المجتمع الدولي ووضعه أمام مسؤولياته في الدفاع عن قراراته والتصدي لتحدي الكيان الإسرائيلي (والإدارة الأميركية ) للقواعد والاليات التي تضبط حركتة بما يضمن امنه واستقراره.. وإلا فإنها الفوضى التي قد لا تسلم من تداعياتها الامنية المنطقة والعالم.. وهو الرهان الأردني الذي أمكن له توفير جبهة دفاعية، ممثلة في بلورة موقف سياسي دولي رافض للاجراء الاسرائيلي الأحادي، معبرا عنه في موقف دول الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين وأطراف عربية وإقليمية ودولية أخرى، إضافة إلى الاختراقات التي أحدثتها هذه الدبلوماسية الفاعلة في المؤسسات السياسية والحزبية والبرلمانية وغيرها من المؤسسات في الداخل الإسرائيلي كما الداخل الأميركي.. مما يؤشر إلى نجاح الأردن في كسب رهانه على البيئة المحيطة في تأجيل الضم، تمهيدا لالغائه والتراجع عنه في المراحل القادمة.
وعليه، لا يجوز تحميل الاردن اكثر من طاقته عبر الاصرار على مطالبتة بمواجهة التحديات الخارجية منفردا ووحيدا، وبلغة لا تخلو احيانا من اتهامه بالتقصير، رغم مواقفه المشرفة التي سجلها وما زال يسجلها عربيا واقليميا ودوليا، خاصة بالنسبة للقضية الفلسطينية التي تحظى بالاولوية على الاجندات الاردنية والملكية، بوصفها من الملفات الوطنية الاستراتيجية. لدرجة اصرار البعض على الدفع بالاردن لاتخاذ مواقف وسياسات وقرارات تتنافى ومصالحه الحيوية، كمطالبته بالانسحاب او بالغاء اتفاقية السلام مع الكيان الإسرائيلي مثلا، دون مراعاة للظروف والضغوطات التي دفعت بالاردن بهذا الاتجاه، عندما تم الضغط عليه وخنقه ومحاصرته اقليميا ودوليا على خلفية موقفه من ازمة الخليج. ولا للتداعيات الامنية والسياسية والاقتصادية والمالية السلبية المترتبة عليه فيما لو انسحب من الاتفاقية، ولا عدم توفر البديل ممثلا بموقف عربي موحد في ظل حالة الضعف والهوان التي تعيشها الدول العربية، خاصة ان الاردن لا يستطيع تحمل تبعات الغاء المعاهدة دون توفر مثل هذا البديل. آخذين بعين الاعتبار ايضا ان المعاهدة تنطوي على مصلحة اردنية امنية واستراتيجية جنبته المخاطر والتهديدات التي تستهدف كيانه ووجوده نتيجة لانهاء حالة الحرب مع الكيان الاسرائيلي، وترسيم الحدود مع هذا الكيان من خلال هذه الوثيقة الدولية الموجودة في الامم المتحدة.. دون ان نغفل دور هذه المعاهدة في استعادة الاردن لسيادته على اراضي الباقورة والغمر، وتضمينها بندا عن الوصاية الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية، تماهيا مع الدور الأردني الديني والتاريخي في المدينة المقدسة. وحصول بلدنا على المساعدات المالية والاقتصادية والعسكرية الخارجية، وتقديمه المساعدات المالية والغذائية والطبية والانسانية الى الاهل في الاراضي الفلسطينية المحتلة، وتمكينهم ومساعدتهم وابقاء خط التواصل معهم مفتوحا، ودورها كذلك في جعل خيارات الاردن مفتوحة وهامش تحركاته الدبلوماسية والسياسية واسعا لخدمة القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني ومساعدته على اقامة دولته المستقلة.
مع التأكيد هنا مرة أخرى، باننا لسنا مع توقيع مثل هذه الاتفاقيات والمعاهدات مع الكيان الاسرائيلي ولا مع اقامة علاقات معه ايضا... ولكن في المقابل علينا مراعاة مصالح بلدنا والظروف والتحديات التي قادته الى اتخاذ مثل هذه القرارات الصعبة وسط بيئة دولية ضاغطة.
لذلك فإن مطالبة البعض الأردن بإلغاء معاهدة السلام مع الكيان الاسرائيلي.. قد تكون بمثابة دعوة أو مطالبة منه بعدم احترام المعاهدات الدولية والانجرار خلف الكيان الإسرائيلي في هذا الجانب وهو الذي عرف عنه انتهاكه واختراقه وعدم احترامه للقوانين والمواثيق والمعاهدات والمرجعيات الدولية بطريقة قادته إلى الدخول في مواجهة مع المجتمع الدولي.. وذلك على عكس الأردن الذي يحظى بسمعة ومكانة وحضور دولي فاعل ومؤثر مرده التأثير الفاعل لدبلوماسيته الناجحة التي تستمد قوة خطابها وتأثيرها من رصيد الاردن من العلاقات الدولية، الذي وضعه على خارطة السياسة العالمية، كمساند وداعم وملتزم بالمواقف والقرارات والمواقف التي تتخذها المرجعيات الدولية من مؤسسات ومنظمات وهيئات دولية مختلفة.