لا أُريد أَن أَكون متشائماً فيما اكتبه اليوم؛ إلَّا أَنني أُحاول أَن أَكون واقعياً نوعاً ما عند الحديث عن الجزئية المتعلقة بآفة الفساد في مجتمعنا ..!! واقعية منبثقة عن واقع سمعت عنه مِن جهة، ورأَيته مِن جهة أُخرى ..!! إِلى أَن وصلتُ إِلى القناعة التي تقول أَنَّه لا يمكن القضاء على هذه الآفة على الإِطلاق ..!! إِنما يمكن الحد منها بنسب تتوافق مع الجديَّة في محاولة القضاء عليها .
(أَعتقد) أَننا لا زلنا نقاوم آفة الفساد مِن خلال فرض العقوبات المختلفة على مُرتكبيها؛ كوسيلة لردع أَو إِخافة مَن يحاول ارتكاب هذا الفعل، وهنا تكمن المشكلة ..!! حيث أَنَّ مَن يُريد ارتكاب هذا الفعل، سيحاول جاهداً البحث عن الطريقة التي لا يُكتشف بها ما قام به مِن تجاوزات؛ فيلجأ لتغطية فعله مِن خلال اتباع الخطوات القانونية (الشكلية) لأَمر مُشبع بالفساد جُملةً وتفصيلا ..!! أَو مِن خلال الارتكان إِلى جهة (يَعتقد) أَنها ستحاول انتشاله بشكل أَو بآخر إِن أُكتِشف أَمرُه ..!! وهكذا دواليك مِن الطُرق التي يتَّبِعُها الفاسد في محاولة تجنُب أَن يُكتشف أَمرُه فقط، فإِن تحقق ذلك؛ فلا مانع لديه مِن سرقة ونهب كل ما تصل إِليه يده دون الخوف مِن أَي رادع على الإطلاق ..!! وما اتساع رُقعة الفساد والفاسدين مِن حولنا؛ إلَّا خير دلالة على ذلك ..!! .
إِنَّ الحدَّ الكبير مِن هذه الآفة؛ لا يُحققه (حسب اعتقادي) فرض العقوبات المختلفة على مرتكبيها؛ بقدر ما يحققه خلق الدافعية الذاتية عند المواطن كي تُجبره على عدم اقتراف هذا الفعل مِن الأَصل؛ مهما بلغ به الحال أَو ساءت به الظروف ..!! وهذا الأَمر يتحقق مِن خلال غرس القِيَم الإيجابية في ذات الإِنسان منذ النشأَة الأُولى له، تلك النشأَة التي تبدأ مِن الأُسرة، تتلوها المدرسة والأُسرة معاً ..!! نشأَة تبدأ بغرس أُسس التربية المبنية على القِيَم المُثلى المنبثقة مِن نهج إلهي مستقيم لا شطحات فيه ولا مَيل، تلك القِيَم التي تُغذِّي وتُدَعِّم أَبجديات التربية القائمة على ما يجب قوله وفِعله، وما يجب النهي عنه وتجنُب فعله ..!! قِيَم تُعلمنا أَنَّ الذي لنا؛ هو ما قسمه الله لنا، وما ليس لنا، هو ما قسمه الله لغيرنا، فلا يجب التعدي عليه بأَيِ شكل ..!! قِيَم تُعيننا على اتباع أُسس العدالة في الحُكم على الأَشياء، وفي إِعطاء الحُقوق مُجرَّدة مِن نزعات المحسوبية أَو الشللية أَو الإقليمية أَو العشائرية ..!! قِيَم نستدِل بها على المعاني الحقيقية للحلال والحرام، لتكون نبراساً لنا كي نقوم بما أحلَّه الله، ونجتنب ما حرَّمه ..!! .
إِن البدء (الحقيقي) في محاربة الفساد؛ يتطلب وضع خُطَّة مُحكمة طويلة الأَجل، وفق أُسس ومنهج مدروس بإِحكام ..!! خُطَّة نستطيع تَلمُس آثارها وقطف ثمارها سنة تلو سنة؛ إِلى أَن نصل إِلى الهدف المنشود ..!! خُطَّة تُطبَّق على كُل فرد بغض النظر عن مكانته الاجتماعية أَو الاقتصادية ..!! فلا أَرى أَنَّ الأَمر وصل إِلى درجة الاستحالة كي لا نستطيع السير به، ولا صُنِّف في خانة ما حرَّمه الله؛ كي لا نستطيع العمل به ..!! نريد فقط نيَّة صادقة لتطبيقه؛ نيَّة صادقة فقط ..!! .