شكل الاول من تموز الجاري لعام 2020 مرحلة جديدة, و نقلة نوعية في التاريخ السياسي الروسي , بتوجيه مباشر من الرئيس فلاديمير بوتين , بعد القبول رسميا و شعبيا بالذهاب الى صناديق الاقتراع للتصويت , ايجابا او سلبا , مع او ضد اجراء تعديلات جديدة على دستور الفيدرالية الروسية واسعة المساحة ( اكثر من 17 مليون كم2) , و البالغ عدد سكانها ( اكثر من 145 مليون نسمة) , منهم اكثر من 67 مليون نسمة ذكور ,و اكثر من 78 مليون نسمة اناث , ومتوسط الاعمار اكثر من 72 عاما حسب اخر الدراسات . وبالمناسبة , هذا هو التعديل الثاني للدستور الروسي منذ حقبة الرئيس الروسي الاول, بوريس يلتسين , عام 1993, الذي الغى العمل بالدستور وقتها , و اتهم شعبيا بتعديله مجددا بتوجيه من امريكا , وساند غورباتشوف بداية , ثم انقلب عليه, و على نهجه للبيريسترويكا ,بعدما التقط اشارة الشروع لتحويل الاقتصاد الروسي من الاشتراكية الى الرأسمالية , وتمرد على المكتب السياسي , وقمع التمرد ضده بقصف البرلمان , وعاشت روسيا وقتها فترة زمنية من التراجع و الفوضى , ودستوريا تم فصل الدين عن الدولة . وتم استبداله لاحقا برئيس وزرائه بوتين عام 1999, الذي تمكن بدوره و عبر صناديق الاقتراع من الامساك بزمام الحكم بصرامة , ومن المحافظة على صعود روسيا و انقاذها ,واعادة الهيبة لها منذ عام 2000 وحتى الساعة عبر قصر الكرملين الرئاسي .
نعم , لقد شارك 78% من الناخبين الروس في التصويت على التعديلات الروسية الجديدة , و التي بدت كشاخصة من اجل البحث عن مستقبل جديد لروسيا يواصل الاستقرار و النهوض بقيادة الرئيس بوتين الذي يبادل بلاده روسيا الحرص على التقدم و التطور الدائم من وسط معادلة روسيا قوية بوجود رئيس قوي , و لا مجال للعودة بروسيا الى مرحلة يلتسين مجددا التي يطمح لها الغرب الامريكي ,ومن يساندها من الجمهوريات المستقلة عن الاتحاد السوفييتي مثل اوكرانيا و جورجيا . ودور للفوبيا الروسية - اي الخوف غير المبرر من السياسات الروسية من اهداف التعديلات الدستورية ضمنا و كما اعتقد , وتصدي روسي معاصر لها من الممكن ملاحظته عبر تمسك روسيا بشخصية بوتين .
وحسب النتائج الاخيرة للاقتراع على الدستور الروسي فأن ما نسبته 77,92% الى 79% صوتو لصالح اجراء تعديلات دستورية هامة , قابلها ما نسبته 21,3% ممن عارضو التعديلات الدستورية . وحراك معارض محدود لبوتين في مدينة سانت بيتر بورغ شمال موسكو . و العنوان الرئيسي للتعديلات الروسية يتصدره تصفير المدة الدستورية لرئاسة جمهورية روسيا الاتحادية بعد عام 2024 عند انتهاء الحقبة الزمنية الرئاسية للرئيس بوتين , وهو الذي يشغل منصبه فيها منذ 20 عام خلت . وسبق لبوتين ان اعتمد على حزبه الحاكم ( روسيا الموحدة ) للبقاء في السلطة , و تبادل الادوار الرئاسية مع صديقه ابن مدينته ( سانت بيتر بورغ ) دميتري ميدفيديف, ثم استغنى عنهما معا دفعة واحدة , بالترشح وحيدا للانتخابات , وليس بأسم الحزب الحاكم , و تعيين ميدفيديف مساعدا له في مجلس الامن القومي عالي الشأن بعد اعفائه من رئاسة الوزراء مؤخرا . وهو الامر الذي سيتيح لبوتين البقاء في الكرملين رئيسا حتى عام 2036 ان رغب بذلك . ولقد علق بوتين على ذلك عبر اعلام بلاده بقوله ( ربما لن استطيع العيش لتلك الفترة الزمنية ) , و بدوري هنا ادعو له بطول العمر , و بالصحة و العافية . ومن ابرز المعارضين لنهج بوتين بطبيعة الحال الحزب الشيوعي الروسي وبكامل عمقه السوفييتي , وهو الحزب الذي انتقل من السطلة الى المعارضة الدائمة , و يحصد المرتبة الثانية في التصويت الرئاسي , وعلى الدستور منذ انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 . ويطالب بتداول السلطة , وبالاصلاح الحقيقي في البلاد الروسية , التي تمثل ثلث مساحة العالم , وباءنصاف الانسان الروسي في حقوقه الحياتية و في مقدمتها سن التقاعد الواجب تخفيضه للاستفادة من ميزاته الحياتية . و بمحاربة الفساد . و المعروف بأن سن تقاعد الرجال في روسيا هو 65 عام ,و للنساء 55 عام , مع السماح للنساء المنجبات بالتقاعد المبكر , و تخوف من رفع سن تقاعد النساء الى 60 عام . ومطالبات للشارع الشيوعي الروسي و العام ان صح التعبير بتحسين الرواتب , و التقاعدات ,و بضبط اسعار المحروقات اخذين بعين الاعتبار ان روسيا دولة عظمى منتجة للنفط و الغاز , و عدد السكان بالمقارنة مع المساحة الروسية قليل , والاصل بالنسبة لهم التوجه للتخفيض وليس العكس . وفي المقابل فأن سعرالنفط تراجع عالميا , وفي روسيا تحديدا من ايرادات حجمها 41 مليار دولار الى 39 مليار دولار .
ومن النقاط الهامة المطروحة على جدول التعديلات الروسية على الدستور, المحافظة على وحدة البلاد الروسية , وهي نقطة جوهرية تجيب على تكهنات بعض الدول التي تراهن على عودة جزر الكوريل مثل اليابان , و عودة اقليم القرم- الكريم الى اوكرانيا عندما يغادر الرئيس بوتين موقعه الرئاسي . و جزر الكوريل اليابانية الاصل احتلها الاتحاد السوفييتي نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 بعد مهاجمة اليابان له . وعلاقات روسية يابانية طيبة ,و تجارية ناجحة في وقتنا المعاصر , وحجم تبادل تجاري تجاوز ال 18 مليار دولار . ودعوة روسية حديثة لليابان لتوقيع معاهدة سلام دائمة تسمح لليابان استخدام الجزر , وتمنع استخدامها للاغراض العسكرية الامريكية خاصة بعد توقيع اتفاقية امنية يا بانية امريكية .
وشبه جزيرة القرم المختلف عليها بين كييف و موسكو ملفها التاريخي القديم و المعاصر واضح لا لابس فيه , ولا داعي هنا للانحياز لجهة على اخرى لأي سبب. و القرم جذوره روسية - تترية تعود لعام 1783 , وسمي بتافريدا ,وعاصمته اخذت تسميات مختلفة مثل( بخش سراي , واقد مسجد ,و الان سيمفيروبل ) , ومدينته يالطا شهدت مؤتمرا تاريخيا للزعماء ستالين, و روزفلت,و تشرشل عام 1945 لبحث شؤون المانيا , و السلام , و اوروبا . ويمتلك شاطئه اسطولا بحريا روسيا استراتيجيا , و تاريخيا, و نوويا عملاقا يرسو في البحر الاسود , وعمقه سوفييتي يعود ل - 225 سنة خلت.
وفي التاريخ السوفييتي عاش الروس و الاوكران حياة العائلة الواحدة في السياسة ,والحرب الباردة , وفي الاقتصاد, وحتى عبر سنين المجاعة في ثلاثينيات القرن الماضي , الى ان ظهر الزعيم نيكيتا خرتشوف , فعمل على تحريك الاقليم و ربطه مع اوكرانيا عام 1956 لاسباب اقتصادية , ولارتباط مساحته التي تتجاوز ال 26 الفا من الكيلو مترات المربعة باليابسة الاوكرانية . و بعد انقلاب كييف الذي قاده بيترو باراشينكا , و التيار البنديري المتطرف ,قررت موسكو اعادة القرم الى غمده الروسي بقوة القانون , و عبر استفتاء شعبي وصلت نسبته الى 95 % من اهل القرم انفسهم . وهم الذين يشكل الروس مانسبته 58% , الى جانب 24% اوكران,و 12 % تتار . و ارتباط تاريخي للقرم بالعثمانيين عام 1430 , وحضور روسي عسكري بجهد كاترين الثانية ينشر السيطرة عليه وقتها عام 1771 . وفي المقابل اورد الدستور الاوكراني عام 1996 مادة مفادها ان القرم جزء من اوكرانيا حينها . و الان تأتي التعديلات الروسية الجديدة لهذا العام 2020 لتستدل الستارة وتعلن وحدة كافة الاراضي الروسية .
ومن البنود الهامة التي وردت على طاولة التعديلات الدستورية الروسية حماية مؤسسة الزواج , و رفض الزواج المثلي LGBT , وهي خطوة روسية نافعة و مقدرة ,و تستحق الشكر , ولقد حرمته الاديان السماوية اليهودية ,و المسيحية والاسلام , واعتبرته خطيئة. ورد في الاية الكريمة (81) من سورة الاعراف قوله تعالى " انكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل انتم قوم مسرفون" صدق الله العظيم . و اخلاقيا , و طبيا , و اجتماعيا عموما الزواج المثلي مرفوض بكل تأكيد. وتأكيد دستوري روسي جديد على ضرورة حماية الحقبة التاريخية للحرب الوطنية العظمى (1941-1945) , وحقيقتها على ارض الواقع كما هي . وتوجه لمنع المسؤولين الروس من حمل جوازات سفر اجنبية , او فتح حسابات مالية في دول اجنبية . و ترسيخ نهج و مبدأ (الايمان بالرب ) . انتهى الاقتباس . وتعليقي هنا من جديد هو ان روسيا التي قادت الحرب السوفيتية الدفاعية ضد النازية الهتلرية ,و انتصرت عليها بعد طردها الى عمق برلين , الاكثر دراية بمجريات الحرب الوطنية العظمى الثانية , و ارشيفها الحقيقي غير القابل للتزوير الى جانب الارشيف العالمي عنها . ومسألة منع المسؤول الروسي من حمل جواز سفر اجنبي , او ترك حسابه المالي في بنك اجنبي شأن روسي داخلي يهدف على ما يبدو لتحصين مسؤولية العمل العام من الاختراق الخارجي . و مبدأ ( الايمان بالرب) الدستوري الروسي الجديد يدحض نظرية الالحاد التي فشلت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي , و تراجع تأثير الشيوعية على مسار الاديان السماوية في المقابل , وانفتاح ديني واسع ملاحظ , ويحترم في روسيا.