اميل حبيبي يحاكم الواقع العربي
يوسف عبدالله محمود
04-07-2020 12:58 AM
كلمات تقطر سخريةً ممزوجة بالألم ردّدها مُهرّج «إميل حبيبي» الكاتب والمناضل الفلسطيني الراحل اميل حبيبي الذي عشق ثرى فلسطين، عبّر في أعماله الإبداعية من شعر أو نثر عن مأساة شعب شبع تصريحات عالية السقف من زعماء أمته، وحين أفاق من أحلامه وجد الحال على ما هو عليه يسير من سيئ إلى سئ، سُخريته اللاذعة تُهيمن على إبداعاته الفنية.
في عمله الإبداعي المَسرحي «لُكع بن لُكع» يدور هذا الحوار العميق الدلالة بين مُهرّج «اميل حبيبي» وبين الشخصية الأخرى التي أسماها بـ «الطبّالة».
المهرج: لا بأس. لا بأس يا صبيّة.
راح زمن الأنتيكا.
ولكن ماذا جاء بعده؟
الطبّالة: زمانُنا آخر
المهرّج: راح زمن الأنتيكا
يقيناً راح
ولكن الأنتيكا لم تَرُح
وبقيت الأنتيكا
إميل حبيبي يرمز إلى الواقع الفلسطيني العربي البائس. تتعاقب الأزمنة دون أن تبرجها «الأنتيكا». «الأنتيكا» ترمز إلى «البؤس» الذي استوطن هذه الأزمنة.
وتتساءَل «بُدور» إحدى شخصيات «الحكاية المسرحية» هذا التساؤل الموجع:
هل قُيّض لهذا الشعب المُبتلى الممتحن.. المُطوَّع، المضرَّس، المغدور أن يعود على التجربة من أولها؟ هل ينسى؟
فيردّ عليها المهرج: لا ينسى وطنه.
تجيبه بدور: الوطن لا يُنسى.
لا يُحمل على الظهر في حقيبة
حتى ينسى في لحظة أن يُلقى عن الظهر تعباً!.
اميل حبيبي: «لكع بن لكع» ص132
دار الفارابي – بيروت.
تبكي «الطبّالة وهي تسمع هذا الحوار. يُسرع «المهرّج»، وبلطف يحوطها بذراعه ويكفكف دموعها. وهنا تنطق بدور بهذه المفردات العميقة الغور:
ليس الوطن كالنفس
إنما الوطن كالتنفس
وحال الوطن كإنسان الوطن
لا يختار إنسانيته بل يُولد إنساناً. ص132
وبعد، ألسنا كعرب هذه الأيام نعيش زمن الأنتيكا؟
هل حقاً نحرص على أوطاننا. هل هذه الأوطان كالتنفس؟
هل فلسطين المحتلة «كالتنفّس» بالنسبة لعربنا؟
راح زمن الأنتيكا ولكن الأنتيكا لم ترح.
أكلتنا الأنتيكا.
لا تريد أن تبرحنا لأننا متمسكون بها.
بقاؤها يخدم يُخباً أُتخمت على حساب شعوب تتضوّر جوعاً في غالبتها.
ما أضيق العيشَ الذي يضيق عن الصبر.
شعوبنا مَلَّت «الصّبر الموروث».
وكما يقول المهرَّج:
تَكْتكْنا وسنظل نُتْكِتك حتى تقوم الساعة!
رحم الله اميل حبيبي الذي ظل لسانه يردّد أبيات الشاعر توفيق زياد:
أنا ما هُنتُ في وطني
ولا صَغرتُ أكتافي
وقَفت بوجه ظلاّمي
حَملت دَمي على كتفي
وما نكّست أعلامي
(الدستور)