صديقة على الفيسبوك قالت لي : لماذا لا تفكر مرة واحدة، ولو ليوم واحد أن تعلب دور القارئ والمتابع، والمواطن العادي لا صحفي. ولتحكم وتقيس الامور والاشياء والاحداث الجارية من هذه الزاوية.
اودعت «سري الصحفي» في صندوق اسود رميته في خزانة الملابس. وخرجت من منزلي، دون قلم ودفتر، واوراق بيضاء، وعطلت مجسات وحواس الصحفي البريء. امضيت يومي جالسا أتمعن وانظر، وابصر للعالم من حولي، اسمع اخبارا واقرأ صحفا، واتابع تلفزيونا واذاعات، وابتعدت حتى عن ابداء رأي بسيط وعابر كمواطن عادي لا صحفي. ومر النهار، وغابت الشمس، وجاء الليل، ولم اعرف أني لست ذلك الانسان.
مرت تجربة اليوم، ولأن حاملة النصيحة والداعية اليها صديقة انجبرت على الاصغاء والاذعان لها. فلو كان طرفا ثانيا او سلطة ما ، ومهما كان جبروتها واستبدادها، فسأرفض عرضها بشدة، ومهما كانت الضغوط والمغريات معا.ولكن الصديقات الجميلات الجريئات نصحائهن وكلامهن اوامر من الواجب الانصياع له.
كيف مر اليوم؟ بلا شك فانه يختلف عن كل الايام، ويوم غير مسبوق. سألتني فيما بعد، كيف كانت التجربة، وهل تنصح بتكرارها ؟ وذكرتها بسؤال قديم دائما تكرره ايهما اطيب وازكى طبخي ام طبخ المطعم ؟ فاجاملها، كاذبا، بان طبخها دائما هو الاطيب والازكى ولا مجال للمقارنة، انها بارعة وفنانة بالطبخ، وابتكار اصناف طهي، واعداد الطعام.
مر اليوم، وعشت يوما لست صحفيا. وفي اليوم التالي وجدت صعوبة لاكتشاف ذاتي. حواس الصحافة تعطلت لاربع عشرين وساعة «يوم كامل»، لربما لم تغادرني وانا نائم. ولكن ما تحصلت عليه أني اعجز عن العيش دون صحافة. في الصباح نفضت خزانة الملابس، واخرجت صندوقي الاسود لاستعيد الحياة.
وما بلغني من ملاك الصحافة أن ثمة شيطان، كشيطان الشعراء يسكن في رأس الصحفي. شيطان وليس ملاك، ولو سكن رأسك ملاك، فاكسر قلمك، وانسى مهنة الصحافة، وابحث عن عمل ثان.
وجدت نفسي من الصعب أن اعيش غير صحفي، ومهما كانت الاسباب والظروف. فليس الشاعر مجنونا بالحرف والكلمة والسرد، انما الصحفي اكثر تعلقا بجنونها وشيطانها ! ومن اغراءاته الفكرة من الزملاء، فليجربها يعشها، ولكن يعرف بالاول أين يخبئ شيطان صحافته، فهذا هو السر.
(الدستور)