لم يكن في حسابات الحكومة أن تمنحها الجائحة فرصة جديدة لإثبات قدرتها وكفاءتها وفعاليتها في إدارة شؤون البلاد في أصعب الظروف وأدقها. فقبل أن يظهر كورونا لم تكن شعبية الحكومة ورئيسها في أحسن أحوالها؛ حيث عايشت الكثير من الضغوط والاتهامات وطال أعضاءها التشكيك في قدرتهم على حمل المسؤولية وحل المشكلات التي تواجه قطاعاتهم.
في الأشهر القليلة السابقة على إعلان الجائحة حاولت الحكومة ورئيسها مسابقة الزمن في مجابهة التحديات التي أصبحت أكثر إلحاحا، فقدم مجموعة من الحزم التشجيعية والتحفيزية وكثف التواصل مع قوى وقطاعات المجتمع على أمل تحفيز الاقتصاد ومعالجة البطالة وجذب الاستثمار.
على خلاف ما حدث في كثير من بلدان العالم، جاءت الجائحة لتعطي الحكومة الفرصة التي كانت بحاجة لها للبرهنة على قدرتها على مجابهة المخاطر واستعادة الثقة وتبديد الشكوك وتحويل التحديات الى فرص، فطبقت قانون الدفاع وباشرت بتنفيذ الإجراءات وحققت نجاحات مبكرة في إنفاذ سياسة التباعد وحجر القادمين في شروط تحترم الكرامة وتظهر الاهتمام، فلفتت أنظار العالم وحازت على رضا الشارع الذي توقف عن اللوم والتف حول القرارات وأخذ يحسن الظن بما تصدره من قرارات وأوامر.
التجربة الأردنية في التعامل مع كورونا كانت فريدة بكل ما للكلمة من معنى. الإجراءات حازمة والإغلاق محكم والإصابات محدودة. حتى اللحظة لم يتجاوز مجموع أعداد الإصابات التي سجلت في البلاد ما يسجل ليوم واحد في السعودية أو مصر أو حتى قطر أو الإمارات العربية. نسبة الوفيات للمصابين أقل بكثير مما سجل في أي دولة صناعية وحتى بين دول الجوار؛ حيث لم تتجاوز ثمانية أعشار بالمائة أو ما يعادل 9 حالات وفاة من أصل 1133 إصابة.
بهذا المستوى من الطمأنينة ومع مباشرة العودة التدريجية للحياة، يشعر غالبية الأردنيين وكأن الوباء حدث عند جيران، فهم يسمعون الكثير عما حدث في المستشفيات ويشاهدون صور المعاناة في البلدان والمجتمعات التي اعتقدوا أنها تفوقنا تنظيما وتخطيطا وتجهيزات، في حين يشهدون مستويات مطمئنة من السيطرة والتحكم من قبل أجهزتنا.
الفيروس الذي أصبح يخيف العالم ويكشف ضعف السياسات وقلة حيلة القادة وعدم جدوى تدابيرهم يبدو رحيما مع الأردنيين، فقد بدا أقل فتكا لمن أصاب ونجا من شروره الكبار والصغار حتى أن بعض الذين شكوا من تدني كفاءة أجهزتهم التنفسية استأنفوا حياتهم الاعتيادية بعد أيام من تشخيصهم كمصابين بالفيروس.
في الوقت الذي تحاول السلطات الصحية في الولايات المتحدة الأميركية والبرازيل وروسيا الاجتهاد في جميع الأدلة وتحليل البيانات المتوفرة وتقديم عرض يومي للبيانات والمنحنيات ونسب الإصابة والوفيات، يتناوب على شاشاتنا المحلية ثلة من الشخصيات الهادئة الرزينة ليخبروا الأردنيين عن أعداد الإصابات ومسوغات قرارات الإغلاق وخطط التخفيف أو مبررات التراجع في ضوء تطور الأوضاع الوبائية وتجاوب الناس.
اللقاءات المسائية أصبحت طقسا يستعد له الجميع للتعرف على الوضع الوبائي الذي يمكن قراءته من ملامح وجوه المتحدثين وحجم الكشرة والتقطيب الذي قد يظهر على وجوههم. الحسابات التي يتابعها الناس لا تقف عند الأعداد المطلقة للمصابين بل تتعداها لتشمل مصدر الإصابة وفيما اذا كانت محلية أم مستوردة وتحديد ما اذا كانت متصلة بحالات معروفة أو أنها مجهولة الأصل.
مع مرور الأيام وزيادة الألفة، أصبح وزير الصحة يخلط بين الوعظ والإرشاد ويحرص على أن يقدم في كل مساء للمتابعات والمتابعين موعظة أو عتبا وأحيانا تحذيرا لمن يستمعون للقول ولا يتبعون أحسنه. قبل أسابيع حاول معالي الوزير أن يحث الأردنيين على البقاء في بيوتهم قائلا “إذا جلسنا والتزمنا في البيوت لمدة أسبوعين وهي مدة حصانة المرض، المرض بنشف وبموت”، ومع استمرار العالم والمراكز الطبية إلا أن هناك من يعتقد أن الفيروس في بلادنا نشف ومات.
لا أحد يعرف اذا ما نشف الفيروس تماما أم أنه مختبئ في مكان ما… مهما يكن الوضع فإن الأيام والأسابيع القادمة كفيلة ببيان اذا ما نجحت نبوءات الوزير التي نتمنى أن تتحقق أو أنه سيعاود الهجوم علينا من حيث لا نحتسب.
(الغد)