أعترف يا ابنتي أنك أثرت بي كل الشجون ، وأنت تستقبلين والدك لحظة عودته للبيت وقد تقاعد من الجيش .. فاضت العيون وأنت تستقبليه بالقصائد مثل كل بنات العسكر اللواتي ينثرن الزغاريد والزهر عند كل إجازة للآباء ولطلّتهم للبيت بعد غياب ...
يا شهد واسمك مثل إسم ابنتي .. البنات سر الآباء ، ومصدر فخرهنّ .. والبنات يا شهد لا يكبرن في عيون الآباء ، هنّ فقط يغادرن مدارج الطفولة ومشاكستها إلى دروب الصبا وقد إزددن جمالا ونضجا، وسرقن من جمال الآباء زينة على خدودهنّ.
والبنات يا شهد لا يغادرن ذاكرة الآباء ، ويبقى صوت خشخشة الأساور في آذانهم ، ولا ينسوا خطف القبلات عند عتبات البيت ، والجدائل الندّية لم تجف بعد ، وهنّ يتعلقنّ بهم ، وبالأوسمة وبالدفء على صدورهم ..
يا شهد أكاد أرى أبيك وكان فارسا من فرسان الجيش العربي وقد إعتلى يوما صهوات الدبابات ، كان ينادي على رفاقه بأحلى اسمائهم وبكنية أبنائهم وبناتهم .. فالعسكر والشهداء يوم معارك القدس إنتخوا بأسماء بناتهم وأخواتهم ، وسالت أرواحهم ودمهم دون ذلك ..
ربما فاضت القصائد من فمك يا شهد وأنت تكّحلين عينك بآخر مرة ترى والدك يلبس الفوتيك ، ولكن من قال أن العسكر يخلعون الفوتيك ، فهو ليس زيّا وقماشا .. الفوتيك في عرف الأردنيين هوية ووجدان وقيم ، والعسكرية ثقافة وسلوك وسيرة ذاتية يقدمونها كسجل ناصع البياض ، منحازون دوما في صف الوطن عندما ينحاز الآخرون لمصالحهم .
يا شهد يحق لك أن تفخري بأبيك ، فما كان الأردنيون إلا سيفا وقصيدة ورمحا وحبرا وروحا لا تعرف إلا الكبرياء والشرف والفداء ..
دمت ودام والدك وأهلك .. ودام وطننا وجيشنا بألف خير