ما كتبه ديفيد بولوك عن الأردن
ماهر ابو طير
03-07-2020 12:01 AM
يكتب ديفيد بولوك مقالا تحليليا على موقع معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى يستعرض فيه نتائج استطلاع أجرته شركة إقليمية تجارية، وفقا لوصفه، لم يحدد اسمها، تتعلق بتوجهات الاردنيين الداخلية والخارجية، وبعض خلاصات الاستطلاع غريبة حقا الى حد كبير.
ديفيد بولوك يعد زميلا أقدم في معهد واشنطن حيث يركز في تحليلاته على الوضع السياسي في بلدان الشرق الأوسط، في حين يعد معهد واشنطن للدراسات معهدا بحثا أميركيا تأسس في 1985 من قبل لجنة العلاقات الأميركية – الإسرائيلية المعروفة اختصارا بأيباك ويقع مقره في واشنطن العاصمة، وهو من المعاهد المؤثرة على القرار في الولايات المتحدة، ولشخصياته المعروفة امتداد سياسي نحو الإدارة الأميركية وإسرائيل، والشرق الأوسط، وهو على صلة قوية باللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة.
يشير كاتب المقال الى ان الاستطلاع اجري في شهر حزيران الماضي، على عينة مكونة من الف اردني موزعين على مناطق الأردن، ويقول الكاتب في مقدمة مقاله ان “نسبة 68 في المائة من الأردنيين تعتبر أنه يجب أن نقلق بسبب رغبة بعض الإسرائيليين والأميركيين في تحويل الاردن إلى دولة فلسطينية بديلة، وما يثير الدهشة على نحو مماثل هو غياب أي اختلاف في توزيع المواقف بين المناطق بشكلٍ كلي تقريباً، بما في ذلك المنطقة الوسطى حيث الأغلبية من أصل فلسطيني والمنطقة الجنوبية حيث معظم السكان يتحدرون من الضفة الشرقية”.
برغم ان بولوك هنا قرأ توحيد الموقف الداخلي باستغراب على مستوى الجغرافيا الأردنية، الا انه يتناسى هنا، ان البنية الاجتماعية واحدة الى حد كبير، فلماذا يفترض أساسا وجود تباينات في الموقف من مشروع الوطن البديل، على أساس المنابت والأصول، وهذا يثبت ان القراءات الغربية للداخل الأردني ما تزال تقوم على أساس التقسيمات التي تفترضها هذه الذهنية، فيما واقع الحال يقول أيضا ان نسبة الرافضين لمشروع الوطن البديل اعلى بكثير من النسبة التي قدمها بولوك في مقاله استنادا الى استطلاع لم يذكر اسم الشركة التي أجرته، ولا كيفية اجراء الاستطلاع، ولا طبيعة الأسئلة والعينات التي تم اللجوء اليها في هكذا استطلاع.
الامر الأكثر غرابة ان بولوك يشير في مقاله واستنادا الى الاستطلاع ان هناك نسبة من الأردنيين تؤيد التطبيع مع إسرائيل، بل وتؤيد الحكومة الإسرائيلية الحالية، ويقدم رقما ليس قليلا يصل الى مليون اردني، اذا افترضنا ان الاستطلاع دقيق أساسا في عكس الاتجاه العام في الأردن، حيث يقول في مقاله ان حوالي 10 في المائة فقط من الأصوات تعرب عن تأييدها للحكومة الإسرائيلية الجديدة المنتخبة في الربيع الفائت، أو توافق على أن “من يرغب من الشعب في أن تربطه علاقات عمل أو روابط رياضية مع الإسرائيليين يجب أن يُسمح له بذلك”.
هذا استخلاص غير صحيح ابدا، ومن الممكن بكل بساطة ان نخرج باستطلاع آخر، يقدم نتائج مغايرة، خصوصا، حين يكون الاستطلاع ناقصا كما اشرت من حيث عدم توضيح طبيعة العينات، والأشخاص الذين تم استطلاعهم، فوق ان لا دليل في الأساس على دقة النتائج، ولا يمكن ان يكون في الأردن هكذا نسبة تصل الى عشرة بالمائة، تؤيد الحكومة الإسرائيلية التي تم تشكيلها مؤخرا، او حتى تطالب بالتطبيع مع إسرائيل، كما ان نسبة العشرة بالمائة من الذين تم استطلاع وجهات نظرهم، أي مائة شخص من اصل الف شخص، لا يمكن ان يمثلوا من ناحية علمية واستطلاعية آراء وتوجهات مليون شخص، وفقا للنسبة والتناسب.
الاستطلاع الذي احتفى به بولوك غير منطقي، خصوصا، حين يشير أيضا الى ان ثلث الأردنيين يحمّلون الإسرائيليين والفلسطينيين المسؤولية بشكل متساو، وكلنا يعرف ان الأردنيين لا يعتبرون الطرفين، طرفي صراع متساويين ومتعادلين، بل هناك احتلال، وشعب احتلت ارضه، حيث يشير بولوك الى هذه النقطة بقوله ” ثلث الأردنيين يقولون إن مسؤولية استمرار الصراع تقع على عاتق الإسرائيليين والفلسطينيين على السواء”.
هذا استطلاع لا يعكس الرأي العام الأردني، وقد يكون مطلوبا من جهات اردنية حيادية ان تجري استطلاعاتها بشكل عميق ودقيق واكثر عددا من حيث العينات، لنعرف علميا اتجاهات الرأي العام الأردني بدلا من هذا التضليل المكشوف.
الغد