يعد الاقتصاد والظروف المعيشية للمجتمع من أكثر المتغيرات التي تؤثر بالسلوك الانتخابي للمرشحين والناخبين على حد سواء. هذه القاعدة تنطبق على كل الانتخابات وفي كافة دول العالم والأردن ليس استثناء، وقد كانت بالفعل الظروف الاقتصادية المعيشية عاملا طاغيا في كافة انتخاباتنا. تتعاظم أهمية هذا المتغير الآن لان اوضاعنا الاقتصادية ضاغطة، وقد ازدادت حدة بالنظر لتأثيرات وباء كورونا على الاقتصاد وتراجع معدلات النمو وازدياد معدلات الفقر والبطالة وتسريح آلاف العمال أو اقتطاع أجزاء من رواتبهم. أوضاعنا الاقتصادية المتردية يتوقع أن تؤثر على الانتخابات من خلال طريقين أساسيين: الأول، طريقة الاختيار والمفاضلة ما بين المرشحين أيا كانت أسباب ترشحهم والأفضلية ستكون لمن يستطيع جلب خدمات ووظائف أكثر، والطريق الثاني، سيكون من خلال التأثير الكبير المتوقع على ظاهرة المال السياسي وشراء الاصوات المجرمة بأحكام القانون وقد اصبحت بعد التعديلات التشريعية الأخيرة مجرمة جزائيا ضمن أنظمة مكافحة الفساد.
في دول العالم التي تشهد انتخابات ومعاناة اقتصادية في ذات الوقت يصعد الخطاب الراديكالي يمينا أو يسارا وتسود الشعبوية واحيانا التطرف على حملات المرشحين. مشكلة الانتخابات في ضوء الصعوبات الاقتصادية في الأردن انها ستعطي مجالا واسعا للشعبوية وايضا ستكون ميدانا للنقد غير البناء والتسويد والتشكيك دون أن يكون هناك نقاش أو شعارات تطرح بديلا موضوعيا يحاكي الواقع ويطرح الحلول. سيؤدي ذلك لتعميق الفجوة بين الناس والمؤسسات فالمرشحون يخوضون الانتخابات ليس على أسس برامجية وإنما على قاعدة إصلاح الخراب والفساد والمحسوبية التي يقدمونها لجمهور الناخبين على انها القاعدة السائدة والإصلاح ما هو الا استثناء. لذلك، فغياب البرامجية ليس مؤذيا وغير منصف لجمهور الناخبين الأردنيين فقط، وانما ايضا غير منصف بحق الدولة ويعزز خطاب أن الدنيا خراب وينمي الفجوة بين المواطنين ومؤسساتهم. هذا شأن استراتيجي مهم وهي حقيقة محزنة لاننا في الصعوبات والازمات نشهد قوة الدولة ومؤسساتها، وفي ظل نجاح الدولة وتميزها في التعامل مع وباء كورونا نجد ان رصيد الدولة والثقة بها ارتفع لمعدلات محترمة. نحن على وشك ان نشهد حملات انتخابية تعيد الاعتبار من جديد لخطاب التشكيك والتسويد والتشاؤم والاحباط مع كل اسف.
كل ما نمتلك فعله، نحن من نملك قدرا من التأثير بالرأي العام، ان نطلب من المرشحين خطابا برامجيا موضوعيا عقلانيا ونضغط عليهم من أجل ذلك، وان نرفع من شأن المرشحين البرامجيين ونطالبهم بالتفاصيل حول قناعاتهم وسياساتهم، وان نخوض معركة تنويرية ضد المال السياسي وضد الخطاب التشكيكي الباث لليأس والاحباط. لا يمكن فعل أكثر من ذلك في ضوء المعادلة الانتخابية الناظمة وفي ضوء أوضاع اقتصادية صعبة سيكون لها اليد الطولى في التأثير بالانتخابات. لكن علينا جميعا أن نعي اننا على المستوى الاستراتيجي معنيون بمأسسة عمل ودور الأحزاب في الحملات الانتخابية حتى تكون برامجية موضوعية مسؤولة تؤسس لنقاش بناء حول قضايا المجتمع والتحديات التي يواجهها.
الغد