عفواً، ليست معركة "الشعبية" .. بل المصداقية!
د. محمد أبو رمان
17-02-2010 04:57 AM
تتردد على ألسنة رئيس الحكومة ووزرائه وعدد من المسؤولين عبارة "عدم البحث عن الشعبية"، في سياق تمرير القرارات والسياسات الاقتصادية القاسية، والتحضير لها، من ضرائب ورفع الدعم وزيادة الأسعار.
المقلق في الأمر أن يتم التعامل مع عبارة "الشعبية" في هذه الأوساط وكأنّها "تهمة" وشتيمة، في حين أنّه من الطبيعي أن تكون لدى أي حكومة قاعدة شعبية، وأن تكون القنوات مفتوحة بين مؤسساتها وأدواتها وبين الرأي العام، الذي يقرّر في نهاية اليوم منحها الشعبية أو حجبها عنها.
الشعبية هي علامة نجاح للحكومة، وليست علامة رسوب أو فشل في الدول الديمقراطية وشبه الديمقراطية، وهي قضية حساسة، تحديداً في مجتمعنا، الذي يمتاز بثقافة سياسية واسعة ووعي سياسي وحس وطني حقيقي لا يمكن التشكيك به.
إذن، ثمة تقليل من شأن مصطلح "الشعبية"، لدى الأوساط الرسمية، في حين أنّ المشكلة الحقيقية تكمن في عجز الحكومة وعدم قدرتها على تمرير قراراتها وسياساتها على الشريحة الواسعة من الناس، ليس لأنّها "لا تبحث عن الشعبية"، بل لأنّ حكوماتنا (عموماً) فقدت المصداقية أمام المواطنين، وخسرت معركة الثقة مع الرأي العام.
دعونا نعود إلى تصريحات رئيس الوزراء لـ"الغد" عن قصة الشعبية، فقد علّل "القرارات الاقتصادية الشجاعة" المقبلة، بصورة دقيقة وصحيحة، نتفق تماماً عليها، وتتمثل في "عدم ترحيل المشاكل"، ومواجهة الاستحقاقات، حتى لا نجد أنفسنا بعد سنتين أمام كارثة اقتصادية أكبر.
هذا صحيح. ولن نعود للحديث (الآن) عن مسؤولية من أوصلنا إلى هذه الكوارث وباع للناس الأوهام، في السنوات السابقة. لكنّ حتى تكتسب الحكومة المصداقية (= الشعبية) أمام الرأي العام في قراراتها وسياساتها، فإنّها معنية باستنفاد الوسائل والأدوات والسياسات المتعددة، قبل أن تقترب من أساسيات "الأمن اليومي" للمواطن الأردني.
لن تكسب الحكومة معركة الرأي العام، وهنالك وزراء وأمناء عامون لوزارات يرفضون استخدام سيارات حكومية إلا من إنتاج هذه السنة، ورواتب موظفين في مؤسسات عامة تبلغ عشرة أو خمسة عشر ضعف راتب موظف في الدولة.
لن يقبل الناس قرارات الحكومة وسياساتها، وهم يسمعون كلاماً عن التقشف و"ربط الأحزمة" ويشاهدون "كبار الموظفين والمسؤولين" يخالفون ذلك مباشرة.
معركة الحكومة قبل أن تكون مع عمّال المياومة (أبناء الطبقة الارتوازية المعدومين) هي مع المتنفذين وأصحاب المعالي والعطوفة والسعادة، فهم المحك الحقيقي لمصداقيتها، فإمّا أن تربح المعركة وإمّا أن تخسرها بقسوة شديدة.
معركة الحكومة هي في بث شعور حقيقي وصادق لدى المواطن أنّها بالفعل تشعر بمعاناته اليومية، وأنّها في صفه، ولن تقترب منه قبل أن تصفي السياسات والقرارات الخاطئة كافة، وفي مقدمتها "المؤسسات" غير المنتجة ولا النافعة، التي قامت على ضفاف الدولة وعكست رؤية استعلائية للفريق الاقتصادي السابق تجاه مؤسسات الدولة وأبنائها.
ربما يجد الرئيس قسوة من الإعلام، وليست كلّها بريئة، نعم، لكنها مفيدة جداً، إذ تقرع جرس الخطر وتنبّه الحكومة للمنزلقات والألغام قبل أن تتورط فيها!
m.aburumman@alghad.jo