رغم وحشية الرأسمالية الجديدة فقد حافظت بعض قطاعات الطبقة الوسطى في العالم على تماسكها وعدم انزلاقها الى خط الفقر، حتى جاءت حائحة كورونا والتي لم تنته بعد وبحسب تأكيد العلماء والمختصين ان لها موجات اخرى ولا يعرف العالم اين ستنتهي في ظل عدم توافرعلاج ناجع لها حتى الآن، فان الطبقة الوسطى قد تختفي من خريطة العالم اذا ما استمرت هذه الجائحة بكل تداعياتها الاقنصادية وتسبب في غلق النشاط الاقتصادي.
يبدو في ظل هذا الواقع القاسي ان كورونا مؤامرة صنعت من أجل الاجهاز على الطبقة الوسطى في العالم وخاصة في دولنا العربية الهشة اقتصاديا ليزداد الاغنياء ثراء والفقراء فقرا مدقعا وتنزلق الطبقة الوسطى الى هاوية الفقر.
هذا الواقع أكده مؤخرا تحذير المدرسة الروسية العليا للاقتصاد من انتشار الفقر بين ممثلي الطبقة المتوسطة وبحسب ياروسلاف كوزمينوف، عميد المدرسة الروسية العليا للاقتصاد، فان دخل جميع طبقات المجتمع الروسي، والطبقة المتوسطة بصورة خاصة، قد تراجع نتيجة أزمة الاقتصاد الوطني المتصلة بتدابير الحد من تفشي كورونا.
وأعرب عن قناعته بأن الأغنياء سيبقون أغنياء حتى بعد فقرهم، والفقراء سيبقون فقراء، أما الطبقة المتوسطة، التي تحمل الآن العبء الأكبر، فهناك مخاطر جدية من أن تنزلق نحو الفقر.
وبينما أتخذت الحكومات عدة اجراءات لدعم الفقراء ومحدودي الدخل باعانات رمزية تحفظهم من المجاعة فان الطبقي الوسطى تعرضت لازمات بخفض رواتبهم الحكومية او فقدانهم لوظائفهم في القطاع الخاص، او غلق محلات وورش اعمالهم، ناهيك الى لجوء بعض الدول لفرض ضرائب جديدة على المواطنين لتدبير اموال لمواجهة تداعيات كورونا او الغائها الدعم على بعض الخدمات كالكهرباء وغيرها كما هو الحال في مصر، أما في لبنان فقد اجهزت كورونا على الطبقة المتوسطة تماما خاصة في ظل فساد حكومي مستشري سياسي واقتصادي اضاع قيمة الليرة ورفع سعر شراء الدولار.
وفي الاردن فقد الكثيرون وظائفهم نتيجة اغلاق اصحاب الأعمال والحرف انشطتهم ودخل بعضهم في خانة الفقر.
وفي العراق التي تعاني ما تعاني من اقتصاد و فساد و قلة انتاج تاثر السوق العراقي بجائحة كورونا من حيث استيراد السلع الغذائية والمحاصيل الزراعية الذي يبلغ 12.4 مليار دولار سنويا من إجمالي الاستيراد الذي يتجاوز 40 مليارا،حيث ان الانتاج المحلي العراقي لا يصل لمستوى الاكتفاء الذاتي بسبب عدم تنفيذ قانون التعرفة الجمركية كما ان سعر صرف الدولار بصالح الاستيراد .
مما يساهم في الازمة الاقتصادية و التنمية وبالتالي تتاثر الطبقة الوسطى و يزداد الفقر
وفي عامة البلدان تسببت جائحة كورونا في زيادة أسعار سلع الخدمات وزيادة معدلات البطالة والضرائب مما ادخلها في حالة من الركود الاقتصادي خاصة بعد ان عجزت الطبقة الوسطى عن تلبية احتياجاتها اليومية بفعل هذا التضخم.
فالتحديات الاقتصادية التي خلفتها جائحة كورنا كما ظهر للجميع حتى الآن ستقضي على ما تبقّى من الطبقة الوسطى بفعل تراجع الانتاج والدخل الشهري والقيمة السوقية نتيجة لتحديات الملف الإقتصادي وتضاؤل الإنتاجية والمدخولات وضعف القوة الشرائية نتيجة التضخم.
واذا كانت الطبقة الوسطى تمثل القوة الشرائية الاكثر قيمة وايضا اعتدالا في العالم، فلصلاح من يتم تآكلها والاجهاز عليها تارة بفعل عوامل من الفساد وأخرى بتأثيرات الرأسمالية الجديدة، وثالثة بفعل كورونا وكأنها مؤامرة وخيانة بحق هذه الطبقة؟
الخالق العظيم جل شأنه جعل الناس درجات، وجعل الافضلية في الزمان والمكان وحتى جعل في الجنة والنار درجات، وعلى ذلك فان هذه الدرجات من سنن الله في خلقه، وكل من يحاول تغيير هذه السنن يكون وبالا على العالم، وأظن العالم لم يعد يحتمل وبالا اكبر من كورونا.
على ذلك، فانني ادعو حكومات وقادة العالم شرقا وغربا الى الحفاظ على الطبقة الوسطى من الانحدار لطبقة الفقراء، باعتبارهم عامود التوازن الاجتماعي والاقتصادي بالعالم، وأي خلل لهذا العامود يؤدي الى انهيار هذه المجتمعات.