لم أكن أعلم يوماً بأن العديد من المستثمرين كانوا وما زالوا ضحية لبيروقراطية القرار الإداري الاستثماري في هذا الوطن؛ فمن يقارع اللجان سينتهي به المطاف الى أن لا مجال من تحسين بيئة الأعمال الاستثمارية في هذا الوطن، بالرغم من كافة التوجيهات الملكية بالخصوص، للدعم والتحفيز والتوسع إذ يبدو واضحا بأن قاريء الأفكار والتوجيهات الملكية غائب عن الساحة، فما بالكم بمغترب قادم من بعيد غرّ به الزمن ومن يغارون على الوطن للاستثمار فيه.
تجارب سلبية عديدة سمعت عنها وعاصرت بعضها، أسبابها متعددة، فتارة السياسات الموضوعة وما يرافقها من تشريعات غير ملائمة هي عائق أساسي، لجان تحتكم القرار وتفتقر الى أدنى مهارات صنع القرار، فلا خلفية قانونية موجودة عند العديد من الأعضاء؛ تَمتْرسٌ حول حالة لا يوجد فيها تفكير ولو للحظة خارج الصندوق؛ تكاد تحتار أهو الضعف الإداري أم الفني؟ أم إفساد في طريقة اتخاذ القرار سببه عدم وجود رقيب من المعني بالقرار، وهو يترأس سدة المنصب العام؟ أقلام ترتجف خوفاً لا خجلاً.. يرافقه ضعف في الأداء فلا وجود للصف الأول في معظم المؤسسات الحكومية بسبب (سوداوية) من أعطاهم القدر الصلاحية في الاستبداد بالقرار بالتخلي عنهم لمحاربة (البطالة)! ، مما يعني بأن مؤسساتنا الحكومية تعمل وعلى الأغلب فيما تبقى من كوادر أساسية في الصف الأول، أمام قيادات من الصف الثاني ما زالت خجولة ومترددة مرتجفة غير مدربه...فهل تعلم هذه الكوادر بأن قطاعا واحدا بالطاقة وهو قطاع الطاقة المتجددة قد أوجد 52 مليون وظيفة في العالم خلال الفترة من 2012 وحتى الآن...؟ أي بمعدل قرابة 7 ملايين وظيفة كل عام؟.
محلياً... أرقام الاقتصاد الوطني تشير الى أن التوقعات بالعجز المالي حتى نهاية العام ستتجاوز ما كان متوقعا بمليار دينار على الأقل، وأن هذا الأثر الإقتصادي هو الأسوأ منذ عقود. حيث تتوقع الحكومة عجزا بقيمة 1.3 مليار دينار (1.8 مليار دولار) في ميزانية العام الحالي لعام 2020، والتي شملت زيادات كبيرة في أجور القطاع العام. وهذا ما يُعتبر ضربة موجعة للاقتصاد والذي هو أصلاً في وضع بالغ الصعوبة. حيث أشار تقرير للبنك الدولي الى أن جائحة فيروس كورونا قد أدت إلى إضعاف آفاق النمو الاقتصادي في الأردن على المدى القريب وبشكل ملحوظ، وبات واضحاً حجم تأثير الصدمة الاقتصادية على المواطنين من خلال فقدان فرص العمل وتراجع الدخل، خاصة في القطاع غير الرسمي في ظل غياب آليات الحماية الاجتماعية الرسمية، ومن المتوقع أن ينخفض نمو الاقتصاد الوطني في 2020 بنسبة 3.4٪، مقارنة مع توقعات صندوق النقد الدولي لنمو يقدر بـ 2.1٪ قبل الأزمة.
محلياً أيضاً؛ فقد أظهر تقرير التنافسية العالمي للعام 2020 الصادر عن مركز التنافسية العالمي التابع لمعهد التنمية الإدارية (تراجع الأردن) مرتبة واحدة العام الحالي، ليحتل المرتبة 58 من بين 63 دولة يشملها التقرير، أي ما زلنا –وللأسف- في (ذيل القائمة) المتعلقة بتصنيفات الاقتصاديات العالمية وقدرتها على الازدهار؛ في حين جاءت دولة الإمارات العربية المتحدة في المركز الأول عربيا والتاسع عالمياً، لتكون بذلك الدولة العربية الوحيدة من ضمن الدول الـ10 الأوائل في التصنيف العالمي.
أما سنغافورة فقد حافظت على المرتبة الأولى للسنة الثانية على التوالي، وفي المركز الثاني إلى الخامس، جاء ترتيب الدنمارك وسويسرا وهولندا وهونغ كونغ على التوالي بحسب تقرير المعهد.
عالمياً؛ فالمؤشرات الاقتصادية العالمية تشير حسب تقرير حديث صادر عن بنك التنمية الآسيوي؛ الى أنه من المحتمل أن يتكبد الاقتصاد العالمي خسائر تتراوح ما بين 5.8 تريليون دولار و 8.8 تريليون دولار، أي ما بين 6.4% و9.7% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، جراء الإغلاق الاقتصادي الذي تم بسبب تفشي فايروس كورونا، ويشير التقرير إلى أن إغلاق الحدود والقيود المفروضة على السفر وحالات الإغلاق التي تطبقها البلدان المتأثرة بالجائحة بهدف وقف انتشار المرض، قد ساهمت في تراجع التجارة العالمية بمقدار 1.7 تريليون دولار إلى 2.6 تريليون دولار. علماً بأن قوة انتعاش الاقتصاد تعتمد على "قدرة البلدان على حماية الوظائف والدخل"، ويذكر التقرير أنه من المتوقع أن يحدث انتعاشاً طفيفاً في العام 2021 بنسبة 3.4٪، إلّا أن معظمه سيكون من استعادة (الناتج المفقود).
وتأسيساً على ما تقدم؛ وأمام كل هذه المؤشرات الخطيرة، ونحن لَسْنا بمعزلٍ عن هذا العالم؛ أسَنبقى في نفس النهج والتوجه ننتظر ساعة الحسم والمواجهة أمام اقتصاد متعب منهك وتشريعات وآراء، لا تخدم المرحلة ولا يمكن لها أن تفعل المبدأ المرجو من النافذة الواحدة (One Stop Shop)؟ وما هي إنجازات هيئة الاستثمار على الأرض كواقع حال؟ أعتقد بأننا نحن بحاجة إلى مواءمة التشريعات لتأخذ متطلبات وضرورات المرحلة؛ حيث يتوجب وعلى الفور استغلال ظرف أوامر الدفاع وإعادة النظر بكافة التشريعات؛ وتقدير الوضع الاقتصادي المنهك بالوقت الحالي، أمام مديونية مرعبة تصل إلى 42 مليار دولار بشقيها الداخلي والخارجي! كما يتوقع أن تصل نسبة الدين العام من الناتج المحلي الإجمالي(GDP) إلى 108.5% خلال العام المقبل، إذن فالقادم عظيم ويبدو بأنه قد بات أمراً ملحاً الاحتكام الى الحكمة المقصودة: (انْج سَعْد فقد هَلك سَعِيد!).
حمى الله الوطن والقائد وحماكم جميعاً؛؛