دراسة معهد بيغن - السادات
د.حسين الخزاعي
17-02-2010 02:33 AM
المتابع والراصد والمحلل الواقعي لمجريات الاحداث السريعة التي تجري على المستوى العالمي او العربي لا يصدم ولا يفاجأ من الاخبار والتحليلات والخطابات والدراسات التي تتناقلها وسائل الاعلام عن مخططات وسيناريوهات حلول للقضايا العربية وفي مقدمتها قضية الصراع العربي الاسرائيلي ، ولعل من تابع وقرأ وتصفح وحلل ما بين السطور واعاد تنشيط ذاكرته يصل الى نتيجة مفادها ان فحوى دراسة معهد بيغن - السادات التي نشرتها مشكورة وكالة " عمون " يوم (16/02/2010) ما هي الى تطبيق لافكار ورؤية ومخططات رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ، وحتى نضغ النقاط فوق الحروف علينا ان نراجع تشكلية الحكومة الاسرائيلية التي لم ينجزها نتانياهو في ليلة وضحاها بل حرص على ان يسانده ائتلافا يمينيا بمشاركة الاحزاب الاسرائيلية المعروفة بمواقفها المتشدده من العرب يتقدمهم حزب اسرائيل بيتنا بزعامة القومي المتطرف افيغدور ليبرمان والذي له (15 مقعدا في الكنيست ) والاحزاب الدينية الخمسة الاخرى وهي : حزب إسرائيل بيتنا، حزب شاس، الديني الشرقي (أشكناز)، حركة «يهدوت هتوراه» الدينية المتزمتة، الاتحاد القومي، البيت اليهودي، أو «مفدال الجديد». وحزب العمل (13) مقعدا و(3) مقاعد من حزب ميرتس اليساري . هذه الاحزاب ليست مع اقامة دولة فلسطينية, انها في اختصار مع تدمير ونسف الاتفاقيات العربية, وتتمسك بالقدس عاصمة موحّدة لاسرائيل, وهذه الرؤية مرفوضة عربيا ودوليا لانها لا تنسجم مع اتفاقيات السلام العربية الاسرائيلية, وتحرج دول اوروبا وامريكا امام الدول العربية.من قراءة هذه التشكيلة نستنتج ان نتنياهو يرسم لتنفيذ مخطط وضعه في تاني ، فعبر هذا السيناريو يكون في يد نتنياهو مفاتيح ( 81) نائبا في الكنيست يتقدمهم "روبي ريفلين" رئيس الكنيست الصديق الصدوق لنتيناهو ، فنتنياهو يتحرك بارتياح منذ تشكيلة الحكومة بمساندة قوية تتجاوز ثلثي عدد المقاعد في الكنيست البالغة (120) مقعدا بالاضافة الى (25) وزيرا من مجلس الوزراء . ولعلي اشير الى انني بتاريخ 24 كانون الثاني الماضي كتبت في جريدة العرب اليوم مقالا بعنوان " حتى لا نصاب بالصدمة " ، تناولت فيه سلسلة الاحداث التي جرت في العام الماضي والتي تصدرتها فوز اوباما في الانتخابات الامريكية واتضاح الرؤية لمسيرته المستقبلية وتركيزه في ادارة دفة الحكم على تيار الوسط وقلت ان " اوباما وتيار الحكم الذي اختاره " لن يستطيع مواجهة الفريق المتشدد في اسرائيل الذي يقوده الثنائي" نتنياهو وليبرمان " .
وبتاريخ 21 شباط 2009 كتبت مقالا آخر في جريدة العرب اليوم وحذرت فيه من قوة هذا السيناريو والذي سيواجه في انتقاد عربي واقليمي ودولي، لأن من يتفحص اهداف ومنهجيات هذه الاحزاب المعلنة يجد انها تتفق على " توطين اللاجئين الفلسطينيين في اماكن تواجدهم في الدول العربية والأجنبية. أما الفلسطينين الموجودين في الضفة الغربية فإن مستقبلهم يتحدد مع الأردن من خلال الجنسية الأردنية، وتتبني التطرف، والعنصرية ضد العرب، والتمسّك بالاستيطان، وضمّ مستوطنات الضفة الغربية مع القدس الشرقية الى إسرائيل، وطرد عرب 1948 أو العرب الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية الى خارج إسرائيل، على أن تتدبر الأردن أمرهم لاحقاً في إطار الوضع النهائي لفلسطينيي الضفة الغربية. هذه الأحزاب ليست مع إقامة دولة فلسطينية، إنها في اختصار مع تدمير ونسف الاتفاقيات العربية ، وتتمسك بالقدس عاصمة موحّدة لإسرائيل، وهذه الرؤية مرفوضه عربيا ودوليا لانها لا تنسجم مع اتفاقيات السلام العربية الاسرائيلية ، وتحرج دول اوروبا وامريكا امام الدول العربية . وبدأت تتضح ملامح هذا السيناريو بعد زيارة نتنياهو الى الولايات المتحدة الامريكية بتاريخ (18 ايار 2009) والتي كانت مخيبة " جداً " للآمال حيث ان تصريحاته بعد مقابلته للرئيس " اوباما " والتي قال فيها أن على الفلسطينين " ان يحكموا انفسهم ولم يأت على ذكر دولة فلسطينية منفصله او حل للنزاع الاسرائيلي الفلسطيني يقوم على اساس الدولتين" هذه التصريحات كانت بداية رفض اسرائيل للحلول العربية . ولأن الحديث ذو شجون فلا بد لي ان اشير الى ان الرئيس الامريكي " اوباما " كان في ذهنه صورة مسبقة عن نتنياهو فكان غير مقتنع برغبة نتنياهو في تحقيق السلام مع العرب وان اوباما لم يشعر بالارتياح عند لقائه نتنياهو في القدس قبل الانتخابات الامريكية. وشعر بأن نتنياهو متعجرف وغير مقنع وليس راغبا صادقا في السلام مع الفلسطينيين.
ومن جامعة بار ايلان القريبة من تل ابيب المعروفه في اسرائيل بانها جامعة " وكر الافاعي " كونها تتبنى وتخرج اليمين المتطرف ، والتي تخرج منها " ايغال عمير" الذي قتل اسحق رابين يوم 6 تشرين الثاني عام 1995 ، ومن جامعة بار ايلان ومن مدرج " انور السادات " وعبر خطابه المشؤوم بتاريخ 14 حزيران 2009 رفع نتنياهو " اللثام " عن افكاره وبرامجه وخططه وبكلام جارح وصريح ومباشر اوضح في خطابه سياستة المستقبلية بخصوص مسيرة السلام، وحسم مسالة التوطين خارج فلسطين واعتبار القدس عاصمة ابدية للدولة اليهدوية ، وموافقته على اقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح بشروط اسرائيلية موضحا " على كل أرض تقع تحت سيطرة الفلسطينيين أن تكون منزوعة السلاح أي من دون جيش، من دون سيطرة في الأجواء ومع ترتيبات أمنية ناجعة تمنع دخول أسلحة إلى تلك المناطق، ومراقبة فعلية لا كما يحدث لأسفي في قطاع غزة اليوم. ومن البديهي أنه لا يمكن للفلسطينيين إبرام أحلاف عسكرية ، وانه يجب على الفلسطينيين الاعتراف حقيقة بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي. ولعل نتنياهو مما ورد في خطابه اراد تخفيف حدة التوتر مع الامريكان بسبب مواقفه المسبقة ورفضه اقامة الدولة الفلسطينية ولعلنا من هذا العرض نخلص الا ان نتنياهو ابتعد عن ذكر مصطلح " حكم ذاتي" في خطابه واستبدله بذكر دوله فلسطينية منزوعه السلاح، وخبراء ابجديات السياسة وفك شيفرات الحروف يعرفوا جيدا ان عرض نتنياهو لا يتجاوز حكم ذاتي مسلوب الحدود والقرار والسيادة . وهذه المراوغة من نتنياهو تشير الا ان نتنياهو ضليع في نبش الملفات القديمة فالعرض الذي قدمه هو نفس العرض الذي قدمه بيل كلينتون في نهاية عهده وهذا ما سيقوي موقفه مع الامريكان ويقول لهم هذه عروضكم ومقترحاتكم ولا نخالفكم وواصلوا دعمكم لنا ، وها هي " هيلاري " زوجة الرئيس الامريكي وزيره للخارجية الامريكية ستتولى تسويق عروض كلينتون القديمه في المحافل الدولية . ولا ننسى بان هيلاري من مؤيدي السياسة الاسرائيلية الامنية ومن انصار بناء الجدار العازل, وهي من منتقدي السلطة الفلسطينية وتتهمهم بعدم القيام باللازم من اجل منع الارهاب, ولعلنا نتذكر انها اعتبرت ان الضربات الجوية الاسرائيلية على سورية في تشرين اول الماضي مبررة وتدعم مثل هذه الضربات الجوية لحماية الامن الاسرائيلي, وهي من انصار عزل حماس واقصائهم عن المشهد السياسي. والاهم في اللعبة السياسية ان هيلاري من المقربين جدا والمدعومين من اللوبي الصهيوني داخل الولايات المتحدة, لهذا ستقدم الدعم والعطاء غير المحدود لاسرائيل.
واليوم بعد هذه السلسلة من الحقائق يخرج علينا مركز معهد بيغن - السادات للدراسات الاستراتيجية تابع لجامعة بارأيلان والذي يديره ويشرف عليه اليميني المتشدد افرايم عنبار ، يخرج علينا بدراسة مقروءه حروفها منذ انتسلم نتنياهو رئاسة الحكومه ولكنه يبدوا انه قراها متاخرا واعاد ترتيب افكار نتنياهو فيستنتج معد هذه الدراسة " غيورا ايلاند " ، وهو الذي شغل سابقاً منصب رئيس مجلس الأمن القومي ان الاتجاهات العميقة التي تسود أوساط اكاديمية إسرائيلية ورافضة علناً لفكرة حل الدولتين لشعبين. وان الدولة الفلسطينية كما هو مطروح في حل الدولتين غير قابل للحياة. ويجب البحث عن بدائل أخرى منه، مثل الحل الكونفيديرالي، و تبادل أراضٍ. ويقترح حلول كثيره جلها تخدم اسرائيل . ويرفضها الاردن ولعنا نتذكر خطابات جلالة المغفور له باذن الله الحسين بن طلال المتعددة ، وتاكيدات جلاله الملك عبد الله الثاني بن الحسن حفظه الله وامد في عمره ": بانه ليس في قاموسة كلمة كونفدرالية والأردن ليس فلسطين " .
وانصح الساسة والقادة الاسرائيليون اعادة قراءة خطاب جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين الذي القاه امام الكونجرس الامريكي بتاريخ 7 اذار 2007 وخصصه للصراع العربي الاسرائيلي فاطروحات جلالته ومطالبته وبجرأه بدور امريكي فاعل لانهاء معاناة الفلسطينين كانت مثار اعجاب صانعي السياسة في العالم في حل القضية الفلسطينية والتي اكد جلالته انها هي القضية المحورية الاولى ، وان على الاسرائيليين انهاء الاحتلال ووقف اسباب المعاناة التي يكابدها الشعب الفلسطيني منذ عقود .وقيام دولة فلسطينية ذات سيادة وقابله للحياة .
وبعد ،،، هل يتوقع محنكي وخبراء السياسة العرب من نتنياهو ومن مراكز الدراسات الاسرائيلية اكثر من ذلك؟ وخاصة ان حزب الليكود حاليا سيد الموقف ، ونتنياهو متطرف في اطروحاته ويجاهر ويتفاخر ويتباهى بها وفاز في الانتخابات بسبب تبنيه لهذه الشعارات .على المتابعين والمحللين ان يكونوا أكثر واقعية ويتذكروا انه منذ عام 1996 والحكومات الاسرائيلية يقودها نفس اللاعبين " نتانياهو ، باراك ، بيرس ، اولمرت ، ليفني ، وانظم ليبرمان " . وعملية السلام لم تتقدم خطوة واحده للامام . اننا امام قراءه جديدة في اسرائيل ، توزيع ادوار بين الكنيست والخارجية والحكومة " ، ونتنياهو سيستخدم مهارته في المراوغه والدعم الذي يلقاه من الحكومه والكنيست وبصفة خاصه من "روبي ريفلين" رئيس الكنيست الذي صرح للرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر عندما زار اسرائيل مؤخرا بانه لا يمكننا السماح باي حال من الاحوال باقامة دولة تشكل خطرا على وجود اسرائيل ، واي تحرك سلمي او تنازل عن شبر من الارض لن يتم الا بعد ان يصوت الكنيست عليه، وستكون ورقة الكنيست ورفض التنازلات سلاح نتنياهو يشهره لمن يبحث المواضيع السلمية المستقبليه معه من العرب او الاوروبيين او الامريكان ، ونؤكد صدقية تحليلنا من نتائج خطاب نتنياهو الذي قوبل بالترحاب والتصفيق من جمهور ليس مزيفا ، جمهور صانعي السياسة في اسرائيل غص بهم مدرج المؤتمرات في جامعة بار ايلان . سأغامر بالتنبؤ واقول : خطاب نتنياهو سيكون اجندة اسرائيل القادمه في ظل هذا الصمت العربي والتشرذم الفلسطيني ، لأن الصراحه في طرح الافكار والحلول التي يتبناها ويعلنها نتنياهو ووزرائه هي النقطة الابرز في تاريخ السياسة الاسرائيلية ، وهذه الصراحة في طرح الحلول ونشر نتائج مثل هذه الدراسات والقاء مثل هذه الخطابات والتصريحات وضعت القادة العرب والفلسطينين في موقف حرج للغاية ! . فالافضل ان تكون تصريحات ودراسات المراكز الاسرائيلية مقبوله وتعيد الحقوق المغتصبه لاصحابها ، او ان يصمت الساسه الاسرائيليون عن القاء خطاباتهم المحرجة وترحيل الملفات والتباهي بتقديم مقترحات عفى عليها الزمن .
Ohok1960@yahoo.com