الحقيقة الغائبة في طريق السلط الدائري " اهمال ام فساد ؟"
د.عبدالفتاح طوقان
30-06-2020 01:01 PM
شطارة وذكاء أي مقاول ونجاحه في تحقيق الربح هو دراسته للمستندات والتصاميم المقدمة ومعرفة أخطاء المصمم وإمكانية التغيرات التي يمكن استحداثها على العقد والبنود التي يمكن الغاؤّها قبل التقدم بعرضه للمالك، وهي بعض من مفاتيح التسعير للفوز بالعطاء بسعر متدن يتم التفاوض بعدها عند الإحالة علي الزيادات بطرق قانونية وشرعية ليصبح المقاول ليس الأقل سعرا وليحقق أرباحا إضافية.
وهنا اود ان أورد ما حدث في مكتبة الإسكندرية حين تقدم الزميل المهندس إسماعيل عثمان وكان حينها رئيسا لمجموعة المقاولين العرب المصرية بسعر متدن لعطاء مكتبة الإسكندرية وبعد ان احيل عليه العطاء بثمان وأربعين ساعة تقدم بطلب امر تغييري نتيجة بعض الأخطاء في العقد والتصاميم نظرت فيه محكمة الأمور المستعجلة وصدر له الامر التغييري حكما بملايين الجنيهات ونفذت المكتبة التي هي منارة ثقافية وصرح معماري ضمن الأصول والإجراءات القانونية السليمة ولم يشر احد انها " فساد" ، يشهد لجهاز المقاولين العرب ان لديهم من افضل الطاقات الهندسية والتعاقدية المتخصصة في تفنيد الأخطاء وكيفية الاستفادة منها عند التسعير وكيفية ترتيب اوراقها ودفوعاتها. وهي ليست القصة الاولى في تاريخ المقاولات بل هناك الكثير مما شهدت عليه خلال اعمالي الهندسية.
وهذا ليس فسادا من قبل المقاول بل هو إستفادة واستغلال لأخطاء المكتب الهندسي المصمم أو لجهل المالك او كلاهما معا ،( لا نقول اشتراك مالك المشروع او احد من منتسبي جهاز الوزارة في التغاضي او التقصير عن مراجعة ما قدم من المكتب المصمم، اذ لو اشترك ايهما بالفعل لأصبح المالك والجهاز والمقاول فاسدين بجرم الاحتيال يعاقبوا جميعا حسب القانون).
والمعروف ان العطاءات اختصاصية بمعنى ان في حال عطاء طريق السلط الدائري تم في قسم الطرق بالوزارة، هنالك علي سبيل المثال، مهندس الطرق ومدير الطرق وحاسب كميات وامين عام وزارة وغيرهم من وزارات أخرى يدققون ويراجعون قبل ان تصل الي مكتب الوزير المختص، كلهم تحت طائلة المسؤولية والوزير المختص هو وزير الاشغال و الإسكان، للموافقة على طرح العطاء بداية بعد ان يخصص له بند في الميزانية ، وتعود اليه في نفس الدورة قبل الموافقة النهائية على الإحالة، وبالتالي لو حدث أخطاء او اتفاقات خارج الأطر الشرعي للعقد يتحمل جميعهم الجرم ويتم تحويلهم الي هيئة النزاهة ومكافحة الفساد. هذا قبل الشروع في مناقشة فساد او عدم فساد أي امر تغييري صدر في المشروع مدار البحث والذي اصبح قضية "رأي عام " بعد تصريحات الأطراف في الجرائد وعلي وسائل التواصل الاجتماعية الي الدرجة ان وصلت الي ساحات العولمة، وبات صراعا بين مراكز قوي وسلطات سياسية عوضا عن تحاور هندسي ضمن الأسس والمرجعيات.
ما هي أسس الإحالة علي المقاول وما هي مسؤولية المكتب الهندسي عن التصاميم الاصلية؟
لذا، في حالة طريق السلط الدائري، اول ما ستنظر به وتدقق هيئة النزاهة هو أوجه التشابه الفعلية في مستندات العطاء من مقدمي العروض المختلفين، ومقارنة سعر كل بند والمحرفات وأنظمة الأنشاء بين المتقدمين للعطاء والسعر الحقيقي المتداول في السوق لمثل البند المتطابق. وستنظر بلا شك في كميات الطمم في العطآء الأصلي وتسعيرها والتغيرات التي حدثت عليها بموافقات من المكتب المشرف الذي بلا شك لديه دفوعه الهندسية وجهاز الوزارة معا.
وبالتالي ستراجع هيئة النزاهة ومكافحة الفساد الأسس التي تمت الموافقة على عطاء المقاول بالسعر المقدم للبند وكل بند، وفي عهد من تمت الموافقات وفي عهد من تمت التغيرات وصدرت الأوامر التغييرية، وسوف تبحث في التصاميم الهندسية المقدمة من مكتب التصميم الأصلي والمواصفات وما هي الأخطاء التي حدثت وأدت الي تغيير مناسيب الطريق قبل البداية في العمل وكيف سمح لمكتب الاشراف وهو غير المكتب المصمم ان يتعدى عليه ، ربما لم يتعد وحصل على موافقته هذا ما سيظهر لدى هيئة النزاهة عند استدعاء المكتب المصمم ، وكيف يستبدل انشاء جدران خرسانة مسلحة بجدران من تربة مسلحة دون الرجوع الى المكتب المصمم؟ ، وان حدث ذلك فرضا بموافقة من المكتب المصمم بتنازله عن حق التصميم، فما هي الأسس الهندسية والدراسات والتقارير التي قدمها مكتب الاشراف ومن الذي اعتمدها في الوزارة؟ وما هي مسؤولية المكتب المصمم لإعادة قيمة ما دفع له من تصاميم لا تتناسب مع المشروع ولا حيثياته؟
المقاول في العادة يتقدم بطلب وينتظر الموافقات الرسمية وعند موافقة المكتب الهندسي والوزارة يصبح خال المسؤولية ما لم يتقدم المقاول بطلب التغيير وعلي مسؤوليته الخاصة ويكون هذا في العادة في "عقود التصميم و البناء" الموحدة من قبل المقاول ولكن يحتاج الي موافقة خطية واعتماد المكتب الهندسي.
هل هي قضية فساد او اهمال او خرق لشروط التعاقد؟
قبل توجيه الاتهامات لا بد ان تكون بداية الأسئلة ما هو عقد المصمم و دوره في المشروع، عقد المكتب الهندسي المشرف و دوره في المشروع، صلاحيات ممثل الوزارة في العقد و مسؤولياته ، كيف وافقت الوزارة و اعتمدت التصاميم ثم عادت عنها بعد الإحالة و لم يتم استدعاء المكتب المصمم ولم يتم التحقيق في مخالفاته ان وجدت، هل تغيرت فكرة الوزارة و ن المسؤول عن تغير الفكر و علي ماذا اعتمد ، وكيف أن المكتب المصمم لا يرد له ذكر في أي تصاريح صرح بها الوزير ولم ترد في الفيديو الذى نشره مكتب الاشراف ، و كيف تم تغيير التصاميم ، هل هناك حصول علي موافقات من المصمم ، وهل طلب من المصمم تعديل التصاميم لانها تقع ضمن مسؤولياته ام تم تجاهل ذلك وتم تغيير المناسيب دون العودة اليه و من الذي منح تلك الموافقة من الوزارة و نسب بها ، وكيف قدم مكتب الاشراف تصاميم معدلة و عقده اشراف و هو ما يعتبر مخالفة قانونية ، فهل تم تعديل العقد بعد موافقة من المكتب المصمم حسب الأنظمة و اخلاقيات المهنة الهندسية، و هل تم الحصول علي موافقة المصمم الأصلي واعلامه عن الغاء بنود و ما كان دفاعه عن التصاميم التي قام بها، و كيف وافق و أوصى مكتب الاشراف علي تغيير الجدران الاستنادية بحجة تنزيل ثلاثة ملايين دينار و توفيرها من قيمة العقد ليتفاجأ المالك بتوصية من المكتب الهندسي واضافات بقيمة تقارب أربعة عشر مليون دينارا والغاء اعمال بقيمة عشرة ملايين ، وكيف تمت الموافقة علي الغاء بنود خاسرة سعرت بخسارة غير مبررة منها بند الجدران الاستنادية، كل هذا و غيرها مطالب بتقديمها كل من مكتب التصميم و مكتب الاشراف و جهاز وزارة الاشغال توضيحا لهيئة مكافحة الفساد للوصول الي المسؤولية الجرمية علي من تقع و هل هي جماعية ام فردية و نسبها لكل شركاء التعاقد.
وقد يكون لا يوجد فسادا نهائيا وانما "اهمال" ، ومخالفة لشروط التعاقد او خرق لها تؤدي الي انهآء التعاقد، وهو ما يحاسب عليه في المشاريع الهندسية و في كل العقود هناك بند اسمه " الإهمال" و بند اسمه " خرق شروط التعاقد".
المقاول في الحالة الصحيحة و الصحية من التعاقد، أي بدون تحايل او رشوة أي من الأطراف، قانونا لا يلام فهو يتبع إرشادات ممثل المالك أي المكتب الهندسي والمفترض انه مستشار هندسي مؤتمن للأطراف جميعا ولكن يقبض اتعابه من المالك أي الوزارة.
و في الأصل المقاول يتقدم بكل طلباته خطيا لمكتب الاشراف الهندسي للحصول علي الموافقة و لا يستطيع المقاول ان يبني جدارا او يزيل حجرا او يقبض دينار الا بتوصية وموافقة خطية من المكتب الهندسي ، لذا هنا تقع مسؤولية الموافقات علي المكتب الهندسي لا جدال فيها من وجهة نظر تعاقدية قانونية و يتحمل المكتب الهندسي كل ما صدر عنه من كتب و تعليمات للمقاول بما فيها استلام اعمال غير مكتملة او بها تشوهات.
و للتوضيح ، في اغلب المشاريع يتقدم المكتب الهندسي بطلب للمالك للموافقة علي تسليم أجزاء من المشروع و بحضور ممثلي المالك و اللذين يقومون مع المكتب الهندسي بإعداد تقرير موقع من كليهما عن حالة الجزء المستلم يتضمن النواقص التي يتعهد المقاول باكمالها خلال مده محددة و لا تصرف قيمة المطالبة الا بعد انهائها و تسليمها و يحق التوصية بدفع قيمة الأجزاء السليمة و يخصم غيرها لكن لا يحبذ ذلك الا في شروط محددة و ظروف خاصة، و لكن من غير المقبول الموافقة علي اعمال غير مطابقة للمواصفات او أجزاء بها انهيارات ومخالفات و عيوب تضمنت تشققات و نواقص جوهرية تمنع استخدام الطريق و لا تفي بالغرض المنشاء من اجله المشروع و/او لا تتوافق مع السلامة العامة و شروط البيئة. في هذه الحالة لا تعتبر اهمالا اذا حدثت فعلا من المكتب الهندسي وإنما فساد اذا حدث. و اذا قدم المقاول طلبا بالاستلام و به نواقص و عيوبا و تشققات فهو لا يلام، لان كثير من الاعمال لا تكون سليمة او متطابقة فيطلب مكتب الاشراف من المقاول إعادة انشاؤها من جديد و علي نفقته الخاصة دون تحمل المالك أي دينار زائد، يقع هذا ضمن بند " الاعمال غير المتطابقة مع التصميم و حسب المواصفات " و لا يعتبر هذا فسادا من المقاول و انما تقصير و سوء مصنعية تحتاج الي معالجة.
الفساد يكون بتواطؤ الأطراف علي استلام الاعمال مقابل رشوة، هنا يأتي دور هيئة النزاهة و مكافحة الفساد للتحقق و التحقيق .
ماهي مسؤولية مكتب الاشراف الهندسي؟
أولا: تشمل خدمات إدارة عقد التنفيذ بما فيها تسليم الموقع إلى المقاول ومراجعة جميع الوثائق المتعلقة بذلك، إضافة إلى فحص الأعمال التي يتم تنفيذها بالموقع والتأكد من مطابقتها للتصاميم والوثائق الاصلية حسب المناقصة المحالة علي المقاول، والإشراف على الدفعات المالية المستحقة للمقاول بعد نهاية الأعمال المنجزة خلال كل مرحلة من مراحل المشروع.
ثانيا : الإشراف على كل ما يتعلق بشروط الصحة والأمان داخل موقع العمل، والتأكد من احترام الأنظمة والتعليمات ذات العلاقة، كما يقوم المكتب الهندسي بالتعامل مع جميع المقترحات وفق ما تقتضه الإجراءات الرسمية في هذه الحالات، شاملة تأثير التكلفة ومدة التنفيذ، كما يقوم المكتب بتنفيذ أي مهام أو واجبات تسند إلينا ضمن العقد الموقع مع الوزارة و لا يحق له اجراء أي تعديل علي التصاميم او المواصفات الا بموافقة المهندس المصمم صاحب الحق الأصلي بذلك و الذي تقع عليه مسؤولية التصميم..
ثالثا : في مرحلة نهاية التنفيذ يشرف المكتب الهندسي على استلام جهاز المالك للمشروع بعد الفحص والتأكد من اكتمال تنفيذه بالدرجة و الكفاءة التي تسمح بالاستفادة منه حسبما صمم من اجله، وفي حال عدم اكتماله أو وجود بعض النقائص يتقدم المكتب الهندسي بتقرير يتم تحديد مدة زمنية لإتمامها بالاتفاق مع المقاول وصاحب المشروع، وفي نهاية هذه المرحلة يتم التأكد من تسليم مخططات كما نفذ المشروع وكتيبات التشغيل وشهادات الضمان… مع إجراء مراجعة وتقييم شامل للمشروع. و في حال تاخر المشروع مثلما حدث في طريق السلط الدائري و الذي حدد ب ٩٠٠ يوما ، من المفترض ان يناقش مكتب الاشراف خطط و استراتيجيات المقاول لتخفيف مدة التآخير وخطة بديلة للتسريع من انهاء الاعمال و بالطبع يشمل ذلك موافقات المالك علي التكلفة و تمديد الوقت او احدهما بالزيادة او النقصان و اقصد الخصم من المستحقات حسب بنود العقد. وهذا غير واضحا في أي من المستندات المقدمة او المتوافرة لدي هيئة النزاهة و بالتآكيد سيكون ضمن متطلبتها عند الاطلاع لبيان الحقيقة.
موافقة مجلس الوزراء" أحيانا "غير ضرورية قبل المباشرة بتطبيق الامر التغييري فوق ٢٥٠ الف دينار ؟
كثير من متطلبات انجاز المشاريع تحتاج الى سرعة و أوقات هامة في الأوقات الحرجة من تاريخ المشروع، لذلك عندما يتم التأكد من ضرورة الامر التغييري من كافة النواح الهندسية و المالية و الزمنية للتنفيذ حسب الوقت ، يتم اصدار الامر التغيري من وزير الاشغال لتسهيل الإجراءات و يرفع الي رئاسة الوزراء يأخذ مجراه الطبيعي خصوصا و ان وزير الاشغال هو احد أعضاء اللجنة الفنية في مجلس الوزراء التي تدرس من جديد الامر و توصي به او ترفضه و حيث ان الوزير امين و مصدق و مهني و لديه مستندات تؤيد موقفه فلا ضرر في ذلك و لا يعتبر عدم صدور الموافقة من مجلس الوزراء فساد او تحايلا علي القانون و انما ينظر اليه من المباح لتسهيل الإنجاز ليعود بالفائدة علي المجتمع و خدمة الغرض المنشاء من اجله المشروع.
طريق السلط الدائري هو نموذج "جيد لمشروع به مخالفات و مغالطات و خروقات بلا شك تستحق التمعن و التفحص اظهر للعلن ضعف ضوابط حل المنازعات والخلافات التعاقدية و التعدي علي حقوق المصمم ، وغياب الفهم للحقوق و الواجبات في العقود" و يفتح الباب علي مصرعيه لإعادة دراسة نهج العطاءات و الصلاحيات و تقييم المكاتب الهندسية والمهندسين بطريقة عقلانية علمية قانونية في أن واحد تخدم المهنة و القطاع الهندسي و قطاع الإنشاءات الذي تضرر من كيفية التعامل معه، و ان يكون الحل بعيدا عن الصراعات و الفردية و السلطوية والشوفانية ، و دون توجيه اتهامات لاحد دون وثائق و مستندات و تقارير خبراء محايدين ، حيث ليس كل من تخرج من كلية الهندسة و امضى ساعات معتمده هو مهندس ، و ليس كل من امضي ثلاثين عاما من العمل الهندسي يستحق ان يكون مسؤولا لان البعض لديه خبره سنة واحدة مكررة ثلاثين عاما و قد تكون حتي تلك السنه قد بنيت على اعراف و مبادىء لا تمت للهندسة أصلا.
لذا وجب الحذر وعدم التسرع في إطلاق الاتهامات قبل الرأي القانوني والهندسي للمصلحة العامة ما لم تتم الرشوة والاحتيال وهو دور هيئة النزاهة في النفي او الاثبات.
وللحديث بقية.