تضارب المصالح واطالة أمد الصراع في ليبيا
د. هايل ودعان الدعجة
30-06-2020 11:22 AM
تمثل ليبيا إحدى بؤر المناطق الساخنة التي يتوقع ان لا تشهد انفراجة قريبة في ظل تضارب المصالح بين القوى الإقليمية والدولية المتصارعة بشكل ينبئ بإطالة امد الصراع هناك، حتى وإن بدت هذه القوى مهتمة بطرح الحلول السياسية ووقف إطلاق النار والتدخلات الخارجية وحظر توريد الأسلحة الى طرفي النزاع عبر تقديم أكثر من مبادرة ( مجلس الأمن ومؤتمر برلين ) ثبت أنها بحاجة إلى ضوء أخضر من أكثر من طرف مشارك في الصراع بعد ان باتت المصالح هي من يتحكم بمستقبل ليبيا ومصيرها، خاصة مع تدخل تركيا في ليبيا ودخولها على خط الصراع، بشكل احدث تغيرات لافتة في موازين القوى والمشهد الليبي بشكل عام، وفتحه على الكثير من الاحتمالات والخيارات التي قد تقررها لعبة المصالح التي لامسها هذا التدخل عندما بسط ذراع تركيا على مساحات واسعة واضافية من مياه شرق المتوسط التي تختزن احتياطات ضخمة من مصادر الطاقة من غاز ونفط من خلال المذكرة التي وقعتها مع حكومة الوفاق الليبية لترسيم الحدود البحرية بينهما، بطريقة قادتها للقيام بعمليات تنقيب قبالة السواحل الليبية والقبرصية، ترى اطراف إقليمية اخرى مثل مصر وإسرائيل وجنوب قبرص واليونان انها تهدد مصالحها. وقد كانت هي الأخرى قد عقدت اتفاقيات لترسيم الحدود البحرية بينها أيضا. وبدا ان كل طرف يرى باتفاقية الطرف الاخر تحديا له وتهديدا لمصالحه من خلال تضييق الخناق عليه وحرمانه من حقوقه في عمليات التنقيب واستخراج الثروات الطبيعية التي يزخر بها شرق المتوسط، خاصة مع وجود مشاكل حدودية في مناطق بحرية متنازع عليها بعد اكتشاف احتياطات ضخمة من الغاز في هذه المنطقة الاستراتيجية في السنوات الأخيرة.
فمصر التي تطمح إلى احتلال مركز إقليمي في تجارة الغاز الطبيعي ونقله إلى أوروبا في ظل امتلاكها محطات ومصانع الغاز المسال وبنية تحتية متطورة لمد انابيب الغاز لدول مجاورة، تفضل الاعتماد على استيراد الغاز واسالته واعادة تصديره إلى اوروبا على اكتشافه واستخراجه والتنقيب عنه، طالما ذلك يحقق اسعارا أفضل لها.. كما هو الحال عند نقلها الغاز الإسرائيلي. لذلك فهي تعتبر تدخلها في ليبيا مشروعا، وتدرجه في إطار الدفاع عن النفس وحماية مصالحها وامنها القومي، حيث تتهم تركيا بمحاولة تحقيق أطماع توسعية في المنطقة وتعزيز نفوذها الإقليمي على حساب امنها.
إضافة إلى ذلك، فقد تم توقيع اتفاقيات بين اسرائيل وجنوب قبرص واليونان، لعل أبرزها اتفاقية مشروع ايست ميد لنقل الغاز من حقلي تمار وليفياثان الاسرائيليين إلى أوروبا بحيث يكون بديلا عن الغاز الروسي. مما دفع البعض لتفسير تدخل روسيا في سورية في هذا الاطار، حيث وقعت عقود استثمار للتنقيب عن الغاز في السواحل والمياه الاقليمية السورية. اضافة الى استعدادها للتعاون مع تركيا في قطاع الطاقة شرق المتوسط لضمان احتكارها وسيطرتها على السوق الاوروبية. خاصة ان تركيا تخشى هي الأخرى على دورها كوسيط في نقل غاز أذربيجان ( تاناب ) وغاز روسيا ( السيل التركي ) إلى أوروبا. الامر الذي ترى امكانية تلافيه من خلال توقيعها مذكرة بحرية مع ليبيا، والتي إضافت إلى المنطقة الاقتصادية الخالصة لها ( جرفها القاري) مساحات واسعة من المناطق البحرية القبرصية واليونانية منها مساحات مائية يفترض أن يمر من خلالها مشروع ايست ميد لنقل الغاز الاسرائيلي إلى أوروبا.. حيث أسهمت هذه الاتفاقية بخلق منطقة عازلة بين أوروبا واسرائيل التي تواجه صعوبات في إيجاد أسواق عالمية. اضافة الى شعورها بان مصالحها وملاحتها البحرية ومشاريعها الإقليمية في مجال الطاقة وتصدير الغاز باتت مهددة، إذ يعتمد أكثر من 95% من نشاطها الاقتصادي والتجاري على التجارة البحرية التي أصبحت رهينة التدخلات والاجراءات التركية في ليبيا وشرق المتوسط. حيث تستغل تركيا هذه الورقة المصلحية إلى أقصى حد ممكن، حتى مع روسيا التي تعارض مشروع الغاز الإسرائيلي ايضا كونه سيكون بديلا عن غازها إلى أوروبا.. بطريقة قد يعزز من الأوراق والمصالح التركية في الملفين السوري والليبي في علاقاتها مع روسيا تحديدا..
إضافة إلى ان هناك من يرى بان اميركا قد تعول على تركيا في تفويت الفرصة على روسيا من الاستفادة من غيابها عن المشهد الليبي.
في الوقت الذي تحرص فيه روسيا ايضا على عدم فقدان الورقة التركية في تعاطيها مع ملفات المنطقة، مستغلة هذا الغياب الأميركي.