أردن جديد بالإبداع والإبتكار الذاتي (4/5)
د. صالح السعد
29-06-2020 06:19 PM
(خارطة طريق المستقبل)
يمكن أن نستلهم ونوجز مضمون و معطيات استراتيجيات الإبداع والإبتكار الذاتية القطاعية ، التي استعرضناها في المقالات السابقة ، عدة طروحات لحلول ومقترحات عملية نعول عليها في مواكبة المستجدات الدولية في هذا المجال بمختلف القطاعات ، وذلك من خلال تهيئة الظروف والخطط اللازمة لتنفيذ أفكار إبداعية وابتكارات إنتاجية متطورة تلبي الإحتياجات المحلية ، وتمد البصر نحو أسواق استهلاكية خارجية جديدة ، من منطلق " أن من يملك المعلومة يملك القوة " في عالم تتسارع وتتصارع فيه التكنولوجيات الحديثة المتطورة علمياً وتقنياً يوماً بيوم وساعةً بساعة ، وليس أمامنا إلا أن نلج مستجداته ، ونواكب تطوراته واللحاق بها لعبور المستقبل .
ويمكن أن نوجز تلك المعطيات في الطروحات التالية :
1. وضع استراتيجية وخطط وطنية تنفيذية للإبداع والإبتكار الذاتي لكل قطاع زراعي وصناعي وتكنولوجي واجتماعي وتعليمي وطبي وسياحي وخدمي وغيره، تشتمل على جميع مجالات الإنتاج والتصنيع والبحث والتطوير ، ورفدها بالكفاءات الفكرية والبحثية والقيادية الكفؤة
2 . من الضرورة والأهمية بمكان ، أن يكون بموازاة هذه الاستراتيجيات المقترحة ، لا بل وعلى رأس أولوياتها ، استراتيجية إبداعية إبتكارية - مستعجلة وملحة - لمواجهة البطالة والفقر ، تعطى أولوية قصوى في التنفيذ العملي على أرض الواقع - وسنفرد لها عرضاً موجزاً خاصاً
عما بعد -
3 . التركيز على الإبداع والإبتكار والبحث والتطوير في المشروعات الصغيرة والمتوسطة ، حتى ترتقي إلى مستويات فضلى في الإنتاج والمنافسة ، كونها تشكل قاعدة أساسية في تحقيق التنمية المستدامة والإكتفاء الذاتي ، وتهيئتها للإنطلاق لدخول أسواق جديدة ، آخذين بعين الإعتبار أن حوالي ( 80% )
من حقوق الملكية الفكرية في العالم أبدعتها الشركات الصغيرة ، كما أنها تشكل مايقارب ( 70% ) تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي في الدول المتقدمة، علاوةً عن استيعابها معدلات مرتفعة من الأيدي العاملة .
4 . تعزيز البحوث والتشجيع على الإبتكار الذاتي ، وتقديم الدعم لشركات العلوم والتكنولوجيا ، إنطلاقاً من أن الإبتكار الذاتي لايعني الإنغلاق ، ويتوجب ممارسته في ظروف منفتحة وتحويله إلى منتجات ، أخذاً بعين الاعتبار أن ثقافة الإبتكار تعني المثابرة قبل كل شيئ ، كما يجب تعزيز ثقافة التعلم بهدف الإبداع والإبتكار وتوظيف الموارد البشرية والمادية وغيرها لتحقيق ذلك .
5 . تأسيس نظام بحث وتطوير لكل قطاع وإعطائه اهتماماً كبيراً إستعداداً للمستقبل ولضمان الوقوف على أرضية صلبة ، مع ضرورة إقامة تواصل داخلي قوي للبحث والتطوير مع أقسام العمل ، إذ نجد أن شركة سامسونج خصصت ( 25 % )من ميزانيتها لغرض البحث والتطوير .
6 . الحرص على توظيف كفاءات فضلى من أخصائي البحث والتطوير من مختلف دول العالم ، أي اعتماد " التعددية " الإبداعية الإبتكارية ، أو الثقافية المتعددة لما لها من ايجابيات عديدة ، وهذا سر مالجأت إليه شركة " لينوفو " في أعمالها الإبتكارية العالمية في سبيل تعزيز المنافسة ، حيث اكتشفت أن لكل من هذه الكفاءات المتعددة الجنسيات أسلوباً متميزاً في العمل والتنفيذ . ويعتبر " خه تشي تشيانغ " رئيس معهد لينوفو للبحوث ، أن تحقيق العولمة يحتاج إلى التعاون مع الأكفاء من مختلف الأمم والأعراق في العالم ، معتبراً ذلك سبباً مهماً لتقدم لينوفو بسهولة في السنوات الأولى ، ويعطي مثالاً للفريق الياباني في الشركة ويصفه بأنه يولي اهتماماً بالغاً لدقة العمل ، لأن ثقافته تهتم بالدقة ، بينما يصف فريق الشركة الأمريكي بأنهم ذو قوة متفوقة في تصميم النظم والهياكل .
7 . تشجيع الشركات الأجنبية لإقامة مراكزها للبحث والتطوير على المستوى الوطني ، من منطلق دعمهم بالمتخصصين الوطنيين من الموارد البشرية وبرواتب قليلة قياساً برواتب تلك الشركات في بلدانها ، وانعكاسها على تدريب كفاءات وطنية من جهة ، وتوفير منتجات وطنية بأسعار مقبولة ومنافسة داخلياً وخارجياً .
8 . الأخذ بعين الاعتبار أن أن الإبتكار ليس من مسؤولية الخبراء والفنيين المبدعين حصراً ، بل وظيفة أساسية لرجال الأعمال بأن يمتلكوا رؤية للمستقبل بوضوح ، وهذه سمة رجل الأعمال الناجح ، لأن الإبتكار من فعل فرد ولكن تنفيذه من أعمال شركة تنفذ براءات الاختراع بجرأة . لأن الشركات والمصانع الوطنية هي المعنية بالدرجة الأولى باقتصاد الإبداع يداً بيد مع الدولة ، لأنهم قادرون معاً على رسم سياسات إبداعية ابتكارية متطورة ومنافسة في كافة القطاعات ، وربما في أقرب الآجال ، لأن العلاقة بين الإبداع والاقتصاد يجب أن تكون لصيقة بما يحقق قيمة وثروة استثنائية . كما أن الصناعة بأمس الحاجة إلى ذوي الأفكار لأنهم أكثر نفوذاً ممن يشغلون الآلات ، بل وأحياناً أكثر حضوراً ممن يمتلكونها ، فهم الذين يحدثون ويطورون ويخترعون أشياء جديدة ، وبالتالي تكون "منتج إبداعي " يكون سلعة أو خدمة أو بضاعة تكون ذات قيمة اقتصادية.
9 . الأخذ بعين الاعتبار أن الابتكار ليس له حدود ومجاله واسع جداً ودائم في جميع المجالات ، ومعظم العلماء يؤكدون بأن الابتكار لازال في بداياته ، ولذلك علينا أن نضع الإبداع والإبتكار في صميم أولوياتنا ، ومن الآن وليس من الغد ، انطلاقاً من مرحلة الابتكار الذاتي الذي يشكل هوية واستراتيجية وطنية كمسؤولية تاريخية للجيل الحالي والأجيال القادمة . وإذا كان هذا حلماً ، فلماذا لانحلم ونحن قادرون على تنفيذ الحلم ، ولدينا جميع مقوماته ، شريطة أن يشارك المواطنون مشاركة فعالة مع الدولة حتى نستطيع تحقيق أهدافنا ومستقبلاً أفضل لبلدنا .