الحسن بن طلال: "الثقافة أمن وقائي"
يوسف عبدالله محمود
29-06-2020 02:17 PM
"علينا أن نضع الانعاش الإنسان الإنساني على أعلى سُلّم الأولويات في رسم السياسة الوطنية". الحسن بن طلال.
مفردات ممتلئة يضعها سمو الأمير الحسين بن طلال أمام العرب قادة وشعوباً بقوله:
"الثقافة أمن وقائي، ماذا تعلمنا هذه المفردات؟
تعلّمنا أن الثقافة هي التي تعمل على ترصين "التضامن الإنساني" و"العدالة الاجتماعية" وهي التي تصون الهوية العربية التي تواجه اليوم تحديات هائلة هدفها اغتيال هذه "الهوية" وتمزيقها إلى طوائف وقبائل ومذاهب تتناحر وتتخاصم بدل أن تتكاتف وتتآزر ضمن هوية عربية جامعة.
يدعو سموه إلى "معالجة العجز في ميزان الكرامة والنزاهة" وهذا لن يتأتى "إلا بتغيير في الأفكار".
"مجلة" المنتدى ص12- العدد 270-271
ثمة "فراغ فكري"، نعيشه كعرب، فراغ يُهدّد إنسانيتنا نَنْشَدُّ إلى الماضي دون أن نُحسن مُساءَلته على نحو ما طرح مثقفو "التنوير" العرب في القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين.
لماذا تم تغييب "ثقافة التنوير" هذه التي يدعو سمو الأمير الحسن إليها؟
لماذا يُراد لنا أن نظل خارج العصر؟
لماذا نضع الأغلال بأيدينا بأنفسنا!؟
ما نلاحظه – مع الأسف – وفي أعقاب هزيمة 1967 أن ثمة "انغلاقاً" بات يُهيمن على الفكر العربي. هذا الانغلاق غدا يُسطّح الوعي لائذاً بتصوّر ديني يُعفي المثقفين من مسؤولية "المواطنة". تصوّرهم ليس في محلّه.
أن تَلوذ بالماضي مُقرِّظاً تراثه على حساب قضاياك الاجتماعية الملحّة هو هروب من المسؤولية. حين دعا سموّ الأمير الحسن بن طلال إلى تبنّي "رؤية تنويرية" لأنه رأى أن "الانغلاق" هو سبب تخلّفنا العربي إن اجتماعيا أو اقتصادياً أو ثقافياً. وحتى نقارب هذه "الرؤية التنويرية" "لا بد من تجديد العقل الغربي المنفتح على الآخر" دون أن نُحدث هذا التجديد سيظل استقلالنا الثقافي مُتعثّراً وقابلاً للاختراق!
من هنا جاء تأكيد سموّ على الثقافة كَأمن وقائي يثريه "الفكر الأخلاقي" وَ"ينيره التنوع الحضاري" "وتزينه الأصالة المستنيرة" وفق كلماته. أتساءَل في النهاية كيف تكون لنا حداثة ونحن نعيش بعقل ماضوي لا يعي مَسار التاريخ. هذا العقل لا يضيء واقعاً راهناً نعيشه ولا يريدنا أن نكون جزءاً من العصر الحديث نفعل فيه وننفعل به.
إن "اعتقال" العقل يُديم "المتخلف". دعونا نُحرّره من هذا الاعتقال. لِيتنسّمَ الحرية.
ثقافتنا العربية المعاصرة بحاجة إلى الاحتفاء بالبُعد الإنساني الذي يحترم الوعي والتنوير والتحديث، ولن يتم ذلك إلا بترسيخ الديمقراطية وبالاستنارة الدينية الطاردة للانغلاق.
لا يجوز أن تظلّ نظرتنا العربية إلى "التحديث" نظرة مُتخلّفة مُعادية للمفهوم العلماني الذي يدعو إلى الانفتاح على الآخر والتصدّي "للأصولية" المتعصبة التي تشدّنا إلى الوراء معتبرة الانفتاح الثقافي على الغرب إساءة لقيمنا الروحية.
دعونا نتجاوز المفهوم التقليدي للثقافة بعقلية حداثية تستشرف آفاق المستقبل المنشود، عقلية تركّز على كرامة الإنسان جاعلة حقوقه المشروعة نمطاً للحياة "العقلية الحداثية" تخدم "الأمن: الوقائي".
دعونا نتحرّر من الفكر اللاعقلاني الذي يسيء إلى قضايانا الاجتماعية الملحّة.
الفكر اللاّعقلاني سيجعلنا خارج التاريخ وهذا ما تريده الإمبريالية العالمية التي هدفها تكريس التخلف العربي. علينا – وكما يقول المفكر البارز د. هشام غصيب "أن نتملك الثورة العلمية الكبرى بوصفها القطع الذي يفصل الحداثة عما قبلها وذلك من حيث المنهج والمنطق والروحية العلمية".
د. هشام غصيب: العقل والمنهج في الثورة العلمية الكبرى. ص5.