رغم أن مجلس النواب نجح في انتزاع المادة التي تنص على تجريم الواسطة من قانون هيئة مكافحة الفساد ، الا ان هذا يجب الا يحول دون محاولة الكرة مع مجلس النواب القادم ، على أمل أن يكون لدى المجلس الجديد ادراك حقيقي لخطر هذه الآفة القاتلة على أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية.
وعلى المرء ان يقاوم اغراء التشاؤم من امكانية انتخاب مجلس نواب أفضل من الحالي بسبب الاستمرار في العمل بقانون الصوت الواحد ، اذ يبقى الرهان قائما على وعي المواطن وعلى أن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.
على العموم ، الواسطة هي احدى الامراض الأشد فتكا بمجتمعنا وهناك حالة «مهادنة» قاتلة مع هذه الآفة ، مما يوحي وكأننا قبلنا العيش معها على أنها من الامور غير القابلة للتغيير ، وان الحياة غير ممكنة بدونها.
فالواسطة تتيح لعديمي الكفاءة أن يتربعوا في مواقع العمل والعطاء بدلا من أصحاب الخبرة ممن (لا ظهر لهم).. والواسطة تغلق الأبواب امام الابداع وتخلق حالة شديدة من الاحباط واليأس أمام الشباب ، اذ يترسخ في وجدانهم أنهم لن يحققوا أي تقدم في المجتمع الا اذا «اتكأوا» على غيرهم ، فليس غريبا ان تجد شابا جامعيا ذكيا قد تخرج لتوه من الجامعة ولكنه لا يحاول أن يسعى للتعيين بناء على شهادته ، وتراه عوضا عن ذلك يزور المؤسسات والدوائر مصحوبا بأحد الوجهاء الذي يتحدث نيابة عنه وقد يخطىء حتى في اسم جامعته وتخصصه.. فالمهم ليس الشهادة أو الكفاءة ، المهم أنه جاء بصحبة فلان المدعوم من علان.
ان حديثنا عن الاردن العصري ذي النظرة المستقبلية لا يستقيم مع استمرار حالة المهادنة مع الواسطة التي يجب ان «تجرّم» في كل القوانين بحيث ينال مرتكبها ومن يعمل بموجبها العقاب الذي يستحقانه.. وبدون ذلك فان الحديث عن التطوير والعصرنة والتقدم يصبح حديثا غير ذي جدوى.
ان من يمارس الواسطة لا يختلف في شيء عمن يمد يده لخطف ما في ايدي الاخرين من مؤونة او رزق.. اذ انه يتخطى الصفوف بشكل غير مشروع ، ويعتدي على حقوق الناس جهارا نهارا.
وفي حقيقة الامر ، فان الامر لا يمكن علاجه فقط من خلال القوانين ، اذ ان منظومة القيم التي تشجع الواسطة او تغض الطرف عن ممارستها مسؤولة ايضا عن استشراء هذه الظاهرة.
والمطلوب ، ان تكون هناك مبادرات شعبية لمحاربة الواسطة .. فكما نجحت وثيقة السلط مثلا في محاربة ظاهرة الاسراف في الولائم ، فان المطلوب هو تحرك شعبي مماثل يتصدى لهذه الظاهرة معلنا بكل جرأة رفضه لهذه الافة التي تسرق حقوق الضعفاء الاكفياء وتمنحها ظلما وعدوانا لبعض «المدعومين» ممن لا تتوافر فيهم الكفاءة .. وقد بادر د.بسام العموش في فترة سابقة الى تبني حملة شعبية ضد الواسطة ولا اعرف الى أين وصلت جهوده الان.
المهم الا نسكت عن هذه الجريمة بل محاربتها من خلال القوانين والاعراف ، اذ ان النهوض الاقتصادي والاجتماعي مرهون بالتخلص من القيم السلبية ، والواسطة من اسوأ هذه القيم واشدها خطورة.