سد النهضة في الاتحاد الإفريقي
د. أيمن سلامة
29-06-2020 11:23 AM
"ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت " ، قول مأثور تمخض عن معاناة شديدة كابدتها الشعوب في لحظات مصيرية عصيبة ، و القول المتقدم يصدق بحق علي أخطر جائحة جابهت المصريين منذ توحيد القطرين عام 3200 قبل الميلاد ، فلم تجرب المحروسة مصر "هبة النيل " جائحة مداهمة لوجودها مثل المساس بشريان حياتهم بسوء .
سيظل يوم الجمعة السادس والعشرين من يونيو عام 2020 رقما وحدثا و أملا لكافة المصريين ، بعد أن زف وزير الخارجية المصري سامح شكري للمصريين، التوصل للاتفاق النهائي المرتقب لتشغيل سد النهضة الإثيوبي بعد اسبوعين ، فغدت هذه البشري بردا وسلاما علي شعوب الفرقاء الثلاثة مصر و السودان و إثيوبيا.
لا عجب أن الاجتماع الاستثنائي الذي دعي إليه ورأسه رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامفوسا أمس الجمعة ،وضم الرؤساء الثلاثة لمصر و السودان و إثيوبيا ، و البيانات الرسمية التي صدرت عن الدول الثلاثة ، بتأجيل ملء إثيوبيا لسدها لحين التوصل لاتفاق نهائي أثار العديد من الأسئلة ، و لكن يأتي في الصدارة منها : كيف يتدخل الاتحاد الإفريقي لتسوية النزاع بين الفرقاء الثلاثة و مجلس الأمن لمنظمة الامم المتحدة سينظر في ذات الأمر بعد يومين ؟
لا مرية أن اختيار الدول وسيلة معينة من وسائل التسوية لا يعني استبعاد الوسائل الأخرى ، بل ان تعقد العلاقات والمصالح الدولية وتشابكها قد يحتم استخدام أكثر من وسيلة ويفرض مرونة كبيرة وتكيًفا مع الظروف الخاصة المميزة لكل نزاع .
لا عجب أن يتكامل ويتزامن كل من مجلس الامن لمنظمة الامم المتحدة ،و الاتحاد الأفريقي في النظر في تسوية النزاع بين الفرقاء الثلاثة مصر و السودان و إثيوبيا ، خاصة في ضوء دعوة رئيس منظمة الاتحاد الإفريقي - رئيس جنوب إفريقيا- سيريل رامفوسا، الفرقاء إلي استئناف المفاوضات بينهم، وبرعاية الاتحاد الإفريقي ، وقبل أن يكيٍف مجلس الأمن طبيعة الخلاف في سد النهضة ، أو يصدر أي قرار بشأنه.
نافل القول ، سبق لمحكمة العدل الدولية أن قررت أنه لا غضاضة في أن يلجأ أطراف النزاع الدولي ، إلي التوسل بأكثر من وسيلة من وسائل التسوية السلمة التي وردت في نص المادة 33 من ميثاق منظمة الامم المتحدة .
قضت المحكمة أيضا بأن لا ضير ولا مانع من الممارسة المتزامنة لتناول ذات النزاع من المحكمة و مجلس الأمن وفي ذات المقام ، تشير المادة 52 من ميثاق منظمة الأمم المتحدة إلي أن قيام المنظمات الإقليمية بمعالجة الأمور المتعلقة بحفظ السلم و الأمن الدولي ، فلا يعطل فحص مجلس الامن أي نزاع أو أي موقف قد يؤدي إلي احتكاك دولي ، ولا يعطل أيضا قيام كل عضو من منظمة الأمم المتحدة عن أن ينبه مجلس الامن او الجمعية العامة إلي أن نزاع أو موقف يقدر مجلس الامن أن استمراه يهدد السلم و الامن الدوليين .
وختاما ، فاذا كان الظن لا يغني من الحق شيئا ، فاليقين الذي لا يزيله أي شك ، أن مداولات مجلس الامن لمنظمة الامم المتحدة يوم الاثنين القادم 29 يونيو 2020 ، ستكون كاشفة للشوط الأخير من ماراثون المفاوضات الملحمية حول سد النهضة الإثيوبي .