لقد كان مقررا في العاصمة الروسية موسكو الجميلة ان يكون الاحتفال بعيد النصر على النازية الالمانية بأسم السوفييت بتاريخ 9 ايار كالمعتاد منذ نهاية الحرب الوطنية العظمى ( الثانية) 1945 , لكن ظرف جائحة كورونا نقله الى تاريخ 24 حزيران 2020 , و هو بالمناسبة التاريخ الحقيقي ليوم النصر السوفييتي على النازية الهتلرية بعد دحرها الى عمق برلين , ورفع العلم السوفييتي فوق الرايخ( البرلمان) الالماني ,و انتحار اودولف هتلر القائد النازي نفسه . و رئيس الفيدرالية الروسية فلاديمير بوتين الذي يحكم بلاده منذ عام 2000 من وسط قصر الكريملين , وتجمع شخصيته الفولاذية الفريدة من نوعها بين الامن و السياسة , قرر ان يكتب لأول مره و بأسهاب مقالة عن مناسبة النصر الجميلة هذه بتاريخ 19 حزيران 2020 , وهي التي ينتظرها عادة كل السوفييت ,و يراقبها , و يتابعها العالم . وفي المقابل لاحظت سياسيا عدم مشاركة قادة كل من اوكرانيا و جورجيا بسبب خلافاتهما مع الكرملين , و اليكم هنا ما كتبه الرئيس بوتين بنفسه مع ترك مساحة لتعليقي على ذلك .
ولقد اختار بوتين عنوانا اعلاميا لمقالته " 75 عاما من النصر العظيم . مسؤولية مشتركة تجاه التاريخ و المستقبل " . ولقد بدأ مقالته بالحديث عن الاجيال الجديدة التي ظهرت بعد يوم النصر المشهود, وكيف تغير كل شيء مثل رحيل الاتحاد السوفييتي صانع النصر , ويتحدث عن ذاكرة والده في الحرب التي عنت له حصار ليننغراد , حيث توفي شقيقه فيتيا عن عمر ناهز عامين وقتها , ونجت والدته بأعجوبة . واصيب والده بجروح خطيرة . ويكتب بوتين عن حاجته للحديث مجددا عن الحرب و لمعرفة المزيد . ويجد بوتين ضرورة بأن تعرف الاجيال الجديدة عن معاناة الحرب المأساوية . ويقارن بوتين بين من يحارب الارهاب من جنود بلاده في شمال القفقاس وفي سوريا ,و يحسبهم على ذاكرة فرقة المظليين السادسة قبل 19 عاما او عشرين عاما . ولقد قابل ذلك وفاء شعوب روسيا للمشاركين في الحرب و النصر عبر تشكيل " الفوج الخالد" , والتي هي عبارة عن مسيرة رمزية تحمل صور الخلود للشهداء . ولقد ناقش بوتين فكرة مقالته هذه في قمة رابطة الدول المستقلة التي عقدت نهاية العام الماضي 2019 , وفيها اعلن بأن هزيمة النازية جاءت على يد شعوب السوفييت . و يؤكد بوتين بأن تاريخ الحرب ثابتة يمكن العثور عليها في الارشيف الاصيل الروسي , و الاجنبي كذلك. و بأنه لا توجد محاولة لروسيا لاعادة كتابة التاريخ . وهنا اقتبس من مقالة بوتين قوله " تنبع الاسباب الجذرية للحرب العالمية الثانية بشكل اساسي من القرارات التي اتخذت بعد الحرب العالمية الاولى . تحولت " معاهدة فرساي" رمزا للظلم الشديد لالمانيا . وهذا يعني ضمنا ان البلاد سيتم سلبها, وتجبر على دفع تعويضات هائلة للحلفاء الغربيين الذين استنزفو اقتصادها . وقدم المارشال الفرنسي فرديناند فوش , الذي شغل منصب القائد الاعلى للحلفاء, وصفا مقدسا لتلك المعاهدة, بقوله: " هذا ليس سلاما . انه هدنة لمدة عشرين عاما " .
ويفسر بوتين قوله اعلاه بأن مشاعر الاذلال الوطني كانت ارضا خصبة لمشاعر الانتقام الراديكالية في المانيا , وهو الامر الذي استغلته النازية عبر دعاية و اعدة لتخليص المانيا من " ارث فرساي" , و العودة بألمانيا الى قوتها , ودفع الشعب الالماني الى الحرب .وما شجع التوجه الالماني ذاك هو الاسناد الغربي , ومنه البريطاني, و الامريكي للمصانع الالمانية العسكرية . و الدعم المباشر من الارستقراطية ,و المؤسسة السياسية , و الحركات الراديكالية المتطرفة القومية . واختلاف ظهر على ترسيم حدود الدول الاوروبية شكل قنابلا موقوتة لصراع قادم . و يواصل بوتين في مقالته هذه قوله بأن انشاء عصبة الامم المتحدة من نتائج الحرب العالمية الاولى الرئيسية بهدف ترسيخ الاستقرار و السلام , و لمنع حدوث حرب اخرى . ثم خرجت عن اطار هدفها , ونداء للاتحاد السوفييتي لتشكيل نظام امن جماعي لم يفلح. وفشل لعصبة الامم في لجم صراعات العالم مثل اصطدام ايطاليا مع اثيوبيا , و الحرب الاهلية في اسبانيا , و عدوان اليابان على الصين, و الفوضى في النمسا .
واحتلال لتشيكوسوفاكيا بموافقة عصبة الامم . وتقاسم لها من قبل بولندا و المانيا . و رفض لبولندا للانضمام للاتحاد الدولي. وجهد للاتحاد السوفييتي لتشكيل جبهة مناهضة لهتلر و تحالفه , و توقيع على عدم الاعتداء على المانيا , وكان صعبا على السوفييت فتح جبهتين المانية و يابانية معا .
وينتقد الرئيس بوتين الزعيم جوزيف ستالين و مرافقيه بسبب ممارسات القمع الجماعي ضد شعبه , و يعفيهم من سوء فهم طبيعة التهديدات الخارجية .و اتهامات لروسيا لاتفاقية عدم الاعتداء التي وقعت انذاك. وتقر روسيا بتحملها كافة التبعات القانونية لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية . و نسيان مقابل لتوقيعات النازيين و السياسيين الغربيين . و يسجل بوتين بأستغراب قول السفير البولندي في المانيا جيه ليبسكي خلال محادثته مع هتلر 1938 " لحل المشكلة اليهودية, سنبني نحن البولنديين على شرفهم نصبا تذكاريا رائعا في وارسو " . ودعوة لجميع الدول على تكثيف عملية نشر ارشيفها , ونشر وثائق الحرب غير المعروفة , و التعاون مع روسيا بهذا الصدد.
لقد تم شن الهجوم الالماني بما يتفق تماما مع عقيدة الحرب الخاطفة كما يكتب بوتين ,وعلى الرغم من المقاومة الشديدة البطولية للجيش البولندي, في 8 سبتمبر 1939- بعد اسبوع واحد فقط من اندلاع الحرب - كانت القوات الالمانية في طريقها الى وارسو . بحلول 17 سبتمبر,كان القادة العسكريون و السياسيون في بولندا قد فرو الى رومانيا , تاركين شعبهم , الذين واصلو القتال ضد الغزاه. وتم ايقاف الحرب الانجلو- فرنسية , وشكلت هذه الخطوة خيانة لبولندا . وقول لجنرال الحرب الالمانية الفريد جودل بأنه لم لم يعاني من الهزيمة منذ عام 1939 فقط لان حوالي 110 فرقة فرنسية و بريطانية متمركزة في الغرب ضد 23 فرقة المانية خلال حربنا مع بولندا ظلت خاملة تماما .
ويواصل بوتين قوله في مقالته النوعية هذه بأن روزفلت في خطابه للامة الامريكية بتاريخ 28 ابريل 1942 قال: دمرت القوات الروسية اكثر من الدول الاخرى . و كتب تشرشل في رسالة الى ستالين في 27 سبتمبر 1944 ان الجيش الروسي هو الذي اطلق الشجاعة من الالة العسكرية الالمانية ... . ولقد توفي حوالي 27 مليون سوفييتي على الجبهات , وفي المعتقلات الالمانية , ماتو من الجوع , والقصف , وفي افران المعسكرات النازية . وخلال مؤتمر طهران لعام 1943 , شكل ستالين , و روزفلت , و تشرشل تحالفا من القوى العظمى لموجهة التهديد البشري المشترك . واتضح بأن امكانات السوفييت و الولايات المتحدة الامريكية و بريطانيا ستخلق قوة على العدو لا محالة . وبعد ثلاثة اشهر من الانتصار على المانيا , اعلن الاتحاد السوفييتي الحرب على اليابان وهزم جيش كوانتونغ . و تم تحرير اوروبا . و بدا التحريف للتاريخ خطيرا . و في عام 1945 دخلت الاسلحة النووية المدمرة للارض . وتم اعتماد حق الفيتو ( النقض) في مجلس الامن لضبط صراعات العالم .