المدني والليبرالي والوطني ومناطق النفوذ
د.مهند مبيضين
28-06-2020 12:26 AM
عمليّاً تتمسك الدولة بالصبغة المدنية من حيث تطبيق القانون والإصرار على مظاهر المدنية والتحضر ودعمها ثقافيا من خلال المهرجانات والمنتديات، والسماح بحركة مقبولة لمؤسسات المجتمع المدني، في الوقت نفسه المؤسسات الدينية راسخة وثمة حرص على الشعائر الدينية ورعايتها بعناية ودقة، وتسمح الدولة لدعاة الحياة المدنية والدولة المدينة بالتحرك والنشاطات الخاصة بهم والقاء المحاضرات وانشاء المنصات، وتدير الدولة هذا الملف بعناية فائقة.
وهناك تحولات في هذا المشهد لا تخفى حتى داخل بنية الطبفة المتدينة، وتحول بعض الدعاة للخط المدني، ومع ذلك
ما زال حضور التيار المدني محفوفا بالاتهامية والتشكيك أحياناً، وربما كان ابرز خصومه بعض الجماعات المتدينة التي لا ترى بدعوى المدنية إلا انفكاكا عن الشريعة، وهذا سجال دار في البلاد العربية مطلع القرن العشرين وبخاصة في مصر بعد الغاء الخلافة الاسلامية في آذار 1994. وتطور الأمر سلبا بعد انشاء جماعة الإخوان المسلمين التي وقفت ندا كبيرا للنزعة المدنية، سوء في مصر او الأردن، وكانت الغلبة لهم. وتحققت مناطق نفوذهم ضد المدنية وتيارها ورموزها، بأن مكنتهم الحكومة في التعليم والنوادي والنقابات، وكانت التربية والتعليم والنقابات هي ميدان الصراع.
الوطنية او التيار الوطني الأردن، لم يتح له تشكيل بنية خاصة به ثقافيا عبر مداد طويل من الزمن، برغم وجود مطالب وزعامات منذ حقبة الإمارة، لكن تحولات المجتمع والتمثيل السياسي، وانعطافات رجال الحركة الوطنية نحو الغنائم السياسية عبر التمثيل بالحكومات او مجال الحكم والوظائف العليا، قلل من فرصة وجود حركة وطنية وتيار وطني عريض على غرار الاحزاب الوطنية في مصر وتونس والمغرب.
كلّ هذا يجب ان يقرأ في ظلال القضية الفلسطينية واثرها العام على الأردن، وكانت النتيجة انحسار نفوذ «الزعيم الوطني» او القائل بالطرح الوطني بوجوب حماية الهوية الأردنية والاستمرار ببناء الأردن وتوضيح موقفه العروبي وهنا يمثل وصفي التل وهزاع المجالي نموذجا في انعطافتهما نحو الوطنية من العمل القومي والاسلامي إلى النزعة الوطنية العالية، لكن معركة هذه النخب كانت الدفاع عن المؤسسات والحكم وانشاء جهاز اعمار محترم، ولولا مقادير الرجال، لكان النفوذ المرحلي لهما قد انتهى بدوام الوظيفة، وكان يفضل ان تستعيد القيادات الوطنية من ذات التوجه مفردات الحركة الوطينة في العشرينيات والبناء عليها.
واليوم المصنف بأنه تيار وطني يرى بنفسه الأكثر عرضة للاختبار والتهديد باستمرارية الحضور الفاعل، والمخاوف حاضرة أيضا من قوى موسمية تظهر لاتباع التيارات الأخرى، او تلجأ الحكومات لصنع بديل قرابي وظيفي.
الليبرالي الأردني، هو حصلية «مكس» عمل وظيفيا بالدولة في مناطق نفوذ مختلفة، وتلقى تعليما غربيا، هو ايضا يواجه خصومة الإسلاموي التقليدي والاسدلوجي الظافر يحماية الشريعة، ومعه الوطني، ولكنه أي الليبرلي يتحالف مع حركة مدنية تجد نفوذهما معا في البنوك والمؤسسات الخاصة، وهؤلاء لهم نفوذ، لكنه غير حاسم واحيانا يكون بمثل الفقاعة او هش.
إن القيود الموروثة الخاصة بتشكل النخبة الأردينة ستظل على الارجح حاضرة طيلة العقدين المقبلين، لكن بالتاكيد بعد ذلك لن نجد النفوذ موزعا بالطريقة الراهنة اليوم، والمقنع ان التفسير الثقافي سيكشف لنا ضياع طبقة الملاك والنخب التقليدية لصالح نخب جديدة لكن في ذلك الوقت ستكون مناطق النفوذ هي الاقتصاد وليس السياسة.
الدستور