تعثر مفاوضات سد النهضة ..
د. حازم الناصر
27-06-2020 11:52 PM
الدكتور حازم الناصر رئيس ومؤسس منتدى الشرق الاوسط للمياه، ووزير المياه والري السابق/ الأردن، ووزير الزراعة السابق/ الأردن، وعضو مجلس النواب الأردني سابقا
والمهندس حسن أبو النجا، جمهورية مصر العربية، ونائب رئيس منتدى الشرق الأوسط للمياه
وعضو فريق الأمن المائي للرابطة الدولية للموارد المائية.
ما ان تبدأ مفاوضات سد النهضة بين الأطراف الثلاثة مصر والسودان واثيوبيا وبحضور اميركي، حتى تتعثر الاجتماعات وتتأجل وتتأجج الخلافات من جديد، ويبدو ان هذا الخلاف أصبح بعيدا عن التوصل لاتفاق يرضي الأطراف الثلاثة وقد بدأنا نشهد انهيار عدم الثقة بين المجتمعين وهو عامل أساسي للوصول الى اتفاق من منظور التعاون الإقليمي بما يلبي مصالح الدول الثلاث وتحت مبدأ «الجميع فيها رابح».
ولاحقا للمقال المنشور على صفحات منتدى الشرق الأوسط للمياه بعنوان «عن سد النهضة ومستقبل مصر المائي والخيارات المتاحة لمتغيرات سياسية» تاريخ ٢٧/١٠/ ٢٠١٩، والذي لخصنا به التسلسل التاريخي للاتفاقيات المبرمة والقضايا الفنية المتعلقة بالسد، بالإضافة إلى التأثيرات السلبية من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية والتي قد تطال جمهورية مصر العربية، وكذلك المقال المنشور أيضا على صفحات المنتدى تاريخ ١٧/٣/٢٠٢٠ بعنوان «سد النهضة والوساطة الأميركية والخيارات المصرية المصيرية الجديدة» والذي نبهنا من خلاله الى بعض التوصيات التي من شأنها دفع مسار التفاوض بين الدول الثلاث واهمها ان الدول تحتاج الى دعم مالي لاستكمال برامجها التنموية او للمشاريع التي من شائنها زيادة كفاءة استخدام المياه.
وقد لوحظ خلال الأشهر الثلاثة الماضية تحول بسقف المطالبات من حيث أن اثيوبيا أصبحت تطلق تصريحات على لسان وزير خارجيتها بانها ستقوم بالبدء بملء السد الشهر القادم باتفاق او بدون اتفاق وأنها «أي اثيوبيا»، لم تعد تعترف باتفاقية عام ١٩٢٩ و١٩٥٩ لانهما وقعتا مع الانتداب البريطاني نيابة عن اثيوبيا آنذاك. وهذا التوجه يزيد من حدة الخلاف ويدخله في مسارات أكثر تعقيدا، بدلا من الجلوس على طاولة المفاوضات وحماية المصالح الاثيوبية من خلال اتفاق ثلاثي يجلب التنمية والاستقرار الإقليمي. علما بان الأطراف الثلاثة وقعت على اتفاقية مبادئ في العام ٢٠١٥، حيث اكدت الاتفاقية على ان التعاون على أساس الفهم المشترك والمنفعة المشتركة وحسن النوايا والمكاسب للجميع ومبادئ القانون الدولي والتعاون في تفهم الاحتياجات المائية لدول المنبع والمصب، وهو ما أصبح بعيدا عن جو المفاوضات الحالية.
بالمقابل، فأن الجانب المصري ما زال ينتهج نهج المفاوضات والدبلوماسية والتواصل مع المجتمع الدولي للمساعدة في الوصول إلى اتفاق، يعتبر بالنسبة لمصر موضوع «حياة او موت»، لأنه وكما ذكرنا بالمقالات السابقة فان مصر تعتمد بنسبة ٩٥٪ على مياه النيل. والحق يقال ان مصر تدير الملف بحكمة دون الانجراف لإجراءات بسبب الاستفزازات. وما الرسالة التي بعثت بها مصر الى مجلس الأمن الشهر الحالي، الا من ضمن الإجراءات التي من شانها إضفاء الدبلوماسية الدولية على هذا الخلاف دون الوصول الى أي خلاف من نوع اخر. جلسة مجلس الامن المرتقبة ستعمل ضمن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وعلى الاغلب ستخرج اللجنة بتوصيات تدعو المتنازعين للعودة الى طاولة المفاوضات او تشكيل لجنة، ولكن من المستبعد في هذه المرحلة اتخاذ قرار بفرض عقوبات او تحويل الملف للتحكيم الدولي.
تعثر المفاوضات يعزى أيضا ولو بشكل جزئي، الى ان الراعي الأميركي لهذه المفاوضات، أصبح مشغولا بقضايا داخلية هامة ومؤثرة من حيث استمرارية الحزب الحاكم، ابتداء من ازمة كورونا وكيفية التعامل معها وتزايد المظاهرات والمسيرات ضد التمييز العنصري وأخيرا التحضير للانتخابات الامريكية القادمة التي أصبحت على الأبواب ولم يعد الاهتمام بالملفات الخارجية كما هو الحال داخليا لاعتبارات سياسية كثيرة.
نعول كثيرا على الموقف السوداني، والتوافق السوداني- المصري على هذا الملف من الأهمية بمكان، ولابد من المحافظة على المصالح السودانية من الاستفادة من بناء السد. ولان الخلافات تولد المزيد من المشاكل، فقد ظهر مؤخراً للعلن ولأول مره خلاف اثيوبي سوداني يتمثل بان المناطق المقام عليها السد وبالأخص منطقة «جبال بني شنقول»، هي مناطق متنازع عليها ما بين اثيوبيا والسودان. ولا بد من وئد هذا الخلاف لان الخلاف القائم لا يحتاج الى المزيد من وقود اشعال الحرائق.
الخلاف الحالي حول الملء الاولي للسد والجوانب القانونية، مع الاخذ بعين الاعتبار التغيرات المناخية والتي تتمثل في سنين الجفاف، لا يؤثر كثيرا على خطط الجانب الاثيوبي التنموية ولكنه يؤثر على مصر بشكل كبير ان تم خلاف ذلك، ولكن يبدو ان الجانب الاثيوبي قد يريد اغتنام الفرصة للتخلص من الاتفاقيات السابقة وهو نهج لا يخدم المصلحة الاثيوبية ولا الأطراف الأخرى.
من الجدير بالذكر، الأمن المائي في البلدان الثلاث يتطلب نقلة نوعية لتحقيق هدف التنمية المستدامة رقم (٦) المتعلق بالمياه والصرف الصحي. بينما تختلف تحديات المياه في مصر وإثيوبيا ؛ فيتمثل التحدي الرئيسي في مصر فى توافر الموارد المائية، بينما تتطلب التحديات في إثيوبيا تدابير كبيرة لتحقيق الأمن المائي على الرغم من توافر الموارد المائية؛ حيث تعانى اثيوبيا من نقص واضح في البنية التحتية للمياه والوصول إلى المياه المدارة بأمان فنصف الإثيوبيين لا يحصلون على المياه و(٦،٣٪) فقط من الناس يحصلون على خدمات الصرف الصحي الكافية، ونقص امدادات الطاقة، ومشاكل جودة المياه والتي تسبب في (٨٠٪) من الأمراض ويُعزى ذلك إلى محدودية الوصول إلى المياه المأمونة وعدم كفاية خدمات الصرف الصحي والنظافة الصحية، وعدم المساواة في إمدادات المياه بسبب انقطاع إمدادات المياه، والمؤسسات الهشة التي تجعل من الصعب على إثيوبيا تحقيق التنمية المستدامة بمفردها. من خلال الإدارة الأفضل لموارد المياه والتعاون مع دول الجوار، يمكن لأثيوبيا تحقيق المزيد من سد النهضة في ظل التعاون لتحقيق الامن المائي للجميع وتحقيق اهداف التنمية المستدامة تمثل الطاقة محور هام لتحقيق الامن المائي وتحول الدورة المفرغة لإمدادات المياه المتقطعة التي يعانى منها الأثيوبيون إلى إمدادات مستمرة.
وفقًا للأمم المتحدة، تقع مصر في مناخ قاس في المنطقة العربية، التي تعتبر واحدة من أفقر مناطق العالم من حيث توافر المياه والعالم، ومن المرجح أن تعاني من أزمات المياه. (١٧) دولة من أصل (٢٢) دولة عربية تقع تحت خط الفقر المائي، أي ان نصيب الفرد أقل من (١٠٠٠) متر مكعب في السنة، من بين هذه البلدان، (١٢) تعاني من نقص حقيقي في المياه وكونها تحت خط الفقر المدقع للمياه أي أقل من (٥٠٠) متر مكعب للفرد لجميع الاستخدامات.
من الأهمية بمكان لجميع البلدان أن تنظر في تكاليف التقاعس والفشل في تحقيق تعاون طويل الأمد بشأن سد النهضة والأمن المائي للجميع. فان عدم التعاون يؤدي إلى عواقب غير متوقعة للجميع. اذ يمكن أن يؤجج التوترات إلى حد تعاني فيه البيئة والاقتصاد وسبل عيش الناس بشكل كبير في البلدان الثلاثة. نظرًا لأن المياه لا تعرف حدودًا، وان زيادة التوترات لا تأخذ دائمًا الحدود الوطنية في الاعتبار.
لا سبيل لحل هذا الخلاف، الا الجلوس على طاولة المفاوضات من جديد واستغلال الميزات النسبية للمناخ الطبيعي السائد وأشهر الاستخدام الأقصى للمياه في هذه الدول، وذلك للتوصل الى اتفاق يخدم الدول جميعها ويؤسس لتعاون إقليمي لأجيالهم القادمة وتحت مبدأ «الجميع رابح»، ونأمل ان تكون نتائج جلسة الامن المرتقبة تصب باتجاه الدعوة من جديد لجميع الاطراف للتعاون والاتفاق ضمن الاتفاقيات السابقة على حل هذا الملف وبأسرع ما يكون.