قبل أن تبحثوا عن رئيس حكومة
ماهر ابو طير
26-06-2020 11:13 PM
نادرا ما تسمع في الأردن، انحيازا لفكرة سياسية، أو برنامج سياسي، فكل واحد فينا، يرى أن هذه الشخصية أو تلك هي التي سوف تنقذ الأردن اذا تم تكليفها برئاسة الحكومة، فنحن نتعصب للأسماء، ولكل واحد بطانته، وشلته، زمارين وطبالين، يرون فيه فتحا جديدا.
من المؤسف والكلام هذه الأيام، عن احتمال تشكيل حكومة جديدة، وحل البرلمان، وهي معلومات لم يتم نفيها رسميا، ولا تأكيدها، أن نعود الى ذات المربع؛ أي الحديث عن الأشخاص، وبين يدي قائمة بسبعة أسماء مقترحة لرؤساء حكومات مقترحين، يتم تسريبهم بوسائل مختلفة الى الرأي العام الأردني، إما من باب الدعاية، أو حرق السمعة والفرصة.
لم يخرج أحد ليتحدث فقط عن أزمة المديونية التي وصلت الى مائة وواحد بالمائة من الناتج المحلي السنوي، ولا عن مليارات العجز هذا العام، ولا عن أزمات الفقر والبطالة، والمشاكل التي سوف تتضح مع نهايات الصيف، على الصعيد الاقتصادي، وكأن مغادرة د .عمر الرزاز لموقعه ستكون هي بوابة الانفراج، لكل هذه الأزمات، فيما نمارس ذات طريقتنا؛ أي تنفيس الرأي العام، وتخفيف الضغط العصبي، عبر مشاغلة الأردنيين اليوم، بقصة حكومة جديدة، وبرلمان جديد، وانتخابات مقبلة على الطريق، وإذا ما كانت الحكومة المقبلة انتقالية لعدة أشهر تستقيل مع نتائج الانتخابات أو تستمر بعد بدء البرلمان أعماله؟
لقد بات واضحا أن الاستخفاف بذكاء الناس وأزماتهم بهذه الطريقة أمر لا يمكن أن يستمر، لأننا لا نفهم حتى اليوم، لماذا جيء بالرزاز، ولماذا يفترض البعض ضرورة مغادرته، على الرغم من أن بإمكانه إجراء الانتخابات، وأن يتمم الملفات التي بحوزته، من دون حل مجلس النواب حاليا، وإذا كانت عمان الرسمية تريد تغيير الرزاز فلتفعل ذلك على بركة الله، فلا أحد يجرؤ على منعها، لكننا نريد تفسيرا واضحا، للكيفية التي يتم اتخاذ القرار بها، سواء التكليف أو الترحيل، أو حتى اختيار شخصية جديدة، من دون أن يحدثنا أحد عن البرامج والسياسيات.
هذه ليست مطالعة دفاع عن الرزاز، وليست أيضا مقاومة لتكليف غيره، لكننا نتحدث فقط عن الدوافع والأرضيات التي تقرر كل خطوة، في بلد لم يعد مهما فيه أبدا، اسم الرئيس ولا أسماء الوزراء، ولا صورهم البهية، فالكل غير معني، والكل أيضا غير مهتم للأسف الشديد بتوليد برلمان جديد، الا الفئة التي تريد إيصال من بايعت على أكتافها الى النيابة، لاعتبارات الوجاهة والتوسط لحل المشاجرات لاحقا، وكل ما يلفت انتباه الناس، أمر واحد فقط؛ أي وجود برنامج اقتصادي واجتماعي وإذا ما كان الرئيس الموجود أو المكلف قادرا مع فريقه على تنفيذه، أو وضع برنامج مناسب جديد لهذه المرحلة الصعبة والحساسة، التي ما تزال في مطلعها.
قبل أن يتم تكليف رئيس جديد، عليكم أن تتنبهوا هذه المرة الى أن السياق سيكون مختلفا، وأن حاجة عمان الرسمية لتبرير التكليف لأي شخص، ستكون إلزامية من جانب الرأي العام، وأن قدوم رئيس جديد من دون برنامج أعده بعيدا عن الأعين، بعد دراسة ملفات اقتصاد الحكومة وأزماتها في معتزله الصيفي، ووضع تصورا كاملا، ليخرج به أمام الرأي العام، سيكون أمرا مكلفا جدا، لأن التذمر في أعلى درجاته، والألسن حداد، ولا ترحم أحدا، من المسؤولين.
لعبة الأسماء باتت مملة في عمان، وهي نصيحة نقولها لوجه الله، مفادها أن تغيير الرئيس الحالي اذا لم يستند الى مبررات قوية -غير قصة الانتخابات- وإلى وريث مقنع ولديه برنامج ورؤية، فمن الأفضل أن نبقى كما نحن، فيما التلاعب بالجمهور، عبر فتح مرحلة جديدة، بعناوين جديدة، للتغطية على سلبيات مرحلة مضت، وجدولة الأحلام، أمر لم يعد مفيدا.
استعمال الوصفة التقليدية؛ أي حرق المرحلة، بإدخالنا الى مرحلة جديدة، أمر قد لا ينجح هذه المرة، مع شدة المعايير الناقدة التي سنراها لاحقا، اذا رحلت الحكومة، وجيء بحكومة جديدة من دون مقومات، ومن دون أرضية، ومن دون تبرير لماذا جاء فلان، ولماذا رحل علان؟!.
قبل أن نرى الرئيس الجديد، عليه أن يستعد هو أولا، ويقول لنا ماذا لديه غير قصة الانتخابات، حتى لا نعتبره مثل العريس الذي جيء به فجأة الى زفافه فلا يعرف العروس، ولا حتى قرأ دفتر النقوط وديونه لاحقة التسديد.
(الغد)