في البلدان الديمقراطية تتمتع الحكومات الجديدة بمهلة ماية يوم تكون خلالها غير معرضة للانتقاد من جانب الصحافة. وقد توقع رئيس حكومتنا أن تتمتع حكومته بهذه المهلة ولكن الصحافة خيبت أمله، ولم تتردد في نقد الحكومة في أسابيعها الأولى وبقسوة أحياناً.
مهلة ماية يوم كشهر عسل ليست مقدسة، وهي مجرد مؤشر يقترح إعطاء الحكومة الجديدة فرصة للتفكير والتخطيط وظهرها محمي، وتقوم الفكرة أساساً على أن الحكومة الجديدة بحاجة إلى وقت لكي تتعرف على الواقع، وتدرس المشاكل والتحديات، وترسم برنامجها بهدوء، خاصة وأن جلالة الملك أعطاها مهلة شهرين لتقديم برنامجها التفصيلي الذي سيعتبر أداة تقييم الأداء.
لكن الحكومة الجديدة لم تعطُِ نفسها أية مهلة، ولم تنتظر برنامج العمل التنفيذي فقد باشرت باتخاذ القرارات من اليوم الأول. بعض القرارات والمواقف التي اتخذتها الحكومة الجديدة كانت تلقى التأييد العام مثل وقف الإجراءات في مصفاة البترول، ومثل الإجراءات المتشددة ضد الفساد في وزارة الزراعة، وأزمة إعلان نتائج التوجيهي الكترونياً، ولكن بعضها الآخر كان قرارات خلافية، تمثل اجتهاد الحكومة في مجال إزاحة بعض المدراء وإحلال غيرهم محلهم، وهي قرارات مثيرة للنقاش.
وطالما أن الحكومة لديها أجندة جاهزة للعمل دون إبطاء، فقد كان من الطبيعي أن لا تنتظر الصحافة ماية يوم قبل أن تناقش القرارات الحكومية، سواء في مجال التعيينات أو التسهيلات المصرفية أو المشاريع الكبرى أو الموازنة العامة أو القوانين المؤقتة.
لا يضير الحكومة أن تتعرض للنقد، فهذا دليل على أنها تتحرك وتعمل وتأخذ قرارات، وكانت تستطيع أن تتجنب النقد عن طريق عدم الحركة وتأجيل مواجهة القضايا التي تتطلب الحسم.
في ظل غياب المعارضة البرلمانية، وقيام الحكومة بإصدار قوانين مؤقتة تتعلق بأكثر الموضوعات حساسية بالنسبة للمواطن كضريبة الدخل والضمان الاجتماعي وتشجيع الاستثمار، فإن على الصحافة أن تملأ جزءاً من الفراغ السياسي مما يحسب لصالح الحكومة ويجب أن يقابل بصدر رحب.
وعلى العكس من ذلك فقد كان على النواب السابقين أن يعبـّروا عن الآراء التي كانوا سيطرحونها في المجلس لو ظل قائماً.
هناك ما هو أسوأ من النقد وهو السكوت أو التعتيم الكامل وترك المسؤول يتحرك في الفراغ بدلاً من المجتمع الحي.